فرح أنطون، صحافي، وروائي، ومسرحي، وكاتب سياسي واجتماعي، ورائد من رواد حركة التنوير في العالم العربي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، اشتهر بدعوته للتسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين، وكان اشتراكي التوجه. تأثر بأفكار المصلحين الأوروبيين روسو، وفولتير، ورينيان، ومونتسكيو، كما تأثر بفلاسفة عرب ومسلمين عديدين من أمثال ابن رشد، وابن الطفيل، والغزالي، وعمر الخيام وآخرين.
ولد فرح أنطون إلياس أنطون في طرابلس الشام عام ١٨٧٤م، لأب يعمل تاجرا للأخشاب، دخل في المدرسة الابتدائية الأرثوذكسية وهو في السادسة من عمره. ثم التحق بمعهد كفتين، حيث اطلع علي كثير من العلوم والمعارف وأتقن اللغة الفرنسية، وكان نابغا في دراسته وظاهر علي زملائه، وقد تخرج من المعهد عام ١٨٩٠م وعمره ستة عشر عام. انكب بعدها يقرأ بنهم ويطالع كل ما تقع عليه عيناه من الإنتاج المعرفي الغربي، حيث أتاحت له الفرنسية أن يقرأ كبار المفكرين أمثال ماركس، ونيتشه، وتولستوي، وروسو، وارنست رنيان...وغيرهم. وكان يقول عن نفسه: «لقد قرأت من الكتب في بضع سنين ما لا يقرأه الإنسان في مئة سنة« .
وهاجر فرح أنطون إلى الأسكندرية عام ١٨٩٧م، بدأ بعدها يمارس نشاطه الفكري والثقافي، حيث أصدر عدة مجلات، مثل: مجلة «الجامعة»، ومجلة «السيدات» التي أصدرها لأخته روز أنطون، وكان يكتب فيها باسم مستعار، كما رأس تحرير عدة جرائد منها جريدة «صدى الأهرام».
تنطوي كتابات فرح أنطون كما غيره من مفكري ذات التيار في تلك الفترة علي مفارقة فكرية نابعة من إيمانهم بالتيار الإنساني (الهيوماني) الغربي إيمانا مطلقا، مفادها أن الرجل قد آمن بألا تمييز بين البشر على أساس اللون أو العرق أو الجنس، وبالتالي فمن المفترض أنه لا تمييز لتيار حضاري علي تيار حضاري آخر، إلا أن أنطون أراد أن ينشر في الشرق العربي النظريات العلمية والفلسفية الغربية باعتبارها نظريات حيادية موضوعية عالمية!، رغم نسبيتها وذاتيتها وارتباطتها بتجربتها التاريخية إلي حد كبير. لذلك فإنه حتي عندما تناول التراث العربي والإسلامي جاء تناوله انتقائيًا، حيث أن علمية النص التراثي عنده تتوقف علي مدي اقترابه أو ابتعاده من النص الغربي (المعياري). لذلك أثارت كتاباته تحفظات كثير من الناس.
كان لأنطون إنتاج فكري غزير ومتنوع، في الأدب والسياسة، والاجتماع، والفلسفة، والمسرح، والرواية. تمثل منه الكثير في المقالات التي كان يكتبها في الجرائد والمجلات، والكتب التي كان يؤلفها كـابن رشد وفلسفته، الحب حتى الموت، الدين والعلم والمال، الوحش الوحش الوحش، أورشليم الجديدة، مريم قبل التوبة، الدين والعلم والمال. كما كانت له كتب مترجمة كـالكوخ الهندي، بولس وفرجيني، أتالا، ابن الشعب، نهضة الأسد، تاريخ المسيح، تاريخ الرسل، زارا توسترا، ملفا. وقد توفي أنطون في القاهرة عام ١٩٢٢م.