( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين )
.. ما من طريق لهدايته إلا سلكانه .. ولا باب لدعوته إلا طرقناه .. ومع ذلك إيغال في الإنحراف .. وتمادٍ في الفساد ..
وفجأة وبلا مقدمات .. كلمات صادقة .. وعبرات بريئة .. من طفل صغير .. من الروح للروح .. تعمل عملها السحري في تلك الشخصية المظلمة .. فإذا بها تتحول لشخصية إيمانية تشع نوراً وبهاء ..
عشرات القصص المعبرة .. والمواقف المفيدة .. أتحفنا بها القراء ..
ليس الغرض من سياقها مجرد التسلية والاستمتاع بما فيها من غرائب وعجائب .. كلا .. إنما المقصود الاعتبار بها والاتعاظ منها والانتفاع بما فيها من دروس وفوائد ..
وإن على المسلم ألا يحقر من المعروف شيئاً .. فلعل كلمة صادقة لا تلقي لها بالاً .. تكون سبباً في هداية إنسان ونقله من طريق الشر لطريق الخير .. وكما قال سبحانه
" لقد كان في قصصهم عبرة " .
فهلموا بنا لنعتبر ونتعظ بهذه المواقف الإيمانية لنترجمها سلوكاً وعملاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر .. والسعيد من وعظ بغيره .. والشقي من وعظ بنفسه ..
الأب الحقيقي
دخل الأب منزله كعادته في ساعة متقدمة من الليل وإذ به يسمع بكاءً صادراً من غرفة ولده ،
دخل عليه فزعاً متسائلاً عن سبب بكائه ، فرد الابن بصعوبة : لقد مات جارنا فلان ( جد صديقي أحمد ) ،
فقال الأب متعجباً : ماذا ! مات فلان ! فليمت عجوز عاش دهراً وهو ليس في سنك .. وتبكي عليه يا لك من ولد أحمق لقد أفزعتني .. ظننت أن كارثة قد حلت بالبيت ، كل هذا البكاء لأجل ذاك العجوز ، ربما لو أني متُ لما بكيت عليَّ هكذا !
نظر الابن إلى أبيه بعيون دامعة كسيرة قائلاً : نعم لن أبكيك مثله ! هو من أخذ بيدي إلى الجمع والجماعة في صلاة الفجر ، هو من حذرني من رفاق السوء ودلني على رفقاء الصلاح والتقوى ، هو من شجعني على حفظ القرآن وترديد الأذكار .
أنت ماذا فعلت لي ؟ كنت لي أباً بالاسم ، كنت أباً لجسدي ، أما هو فقد كان أباً لروحي ، اليوم أبكيه وسأظل أبكيه لأنه هو الأب الحقيقي ، ونشج بالبكاء ..
عندئذ تنبه الأب من غلته وتأثر بكلامه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط .. فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد .
بلغوا عني ولو آية
شاب نشأ على المعاصي .. تزوج امرأة صالحة فأنجبت له مجموعة من الأولاد من بينهم ولد أصم أبكم .. فحرصت أمه على تنشئته نشأة صالحة فعلمته الصلاة والتعلق بالمساجد منذ نعومة أظفاره .. وعند بلوغه السابعة من عمره صار يشاهد ما عليه والده من انحراف ومنكر فكرر النصيحة بالإشارة لوالده للإقلاع عن المنكرات والحرص على الصلوات ولكن دون جدوى ..
وفي يوم من الأيام جاء الولد وصوته مخنوق ودموعه تسيل ووضع المصحف أمام والده وفتحه على سورة مريم ووضع أصبعه على قوله تعالى " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً " ، وأجهش بالبكاء .
فتأثر الأب لهذا المشهد وبكى معه .. وشاء الله سبحانه أن تتفتح مغاليق قلب الأب على يد هذا الابن الصالح .. فمسح الدموع من عيني ولده ، وقبّله وقام معه إلى المسجد .
وهذه ثمرة صلاح الزوجة فاظفر بذات الدين تربت يداك ..
الإيمان قول وعمل
حدثتني عن نفسها قائلة : كنت متهاونة في أداء الصلاة رغم حرصي الشديد على أبنائي بالمحافظة عليها .. تنبهت لذلك إحدى بناتي الملتزمات والمحافظات على أداء الصلوات في أوقاتها .. وراقبتني دون علم مني فحدث بيني وبينها هذا الحوار الذي كانت سبباً بعد الله في هدايتي .
قالت : أمي ما جزاء من ترك الصلاة .
قلت : كافر ومصيره إلى النار.
قالت : ولماذا يترك الإنسان العاقل الصلاة
قلت : ربما لأنه يعتقد أنه لا يوجد بعث ولا حساب وأنه سينتهي بمجرد الموت
قالت : وهل هذا الاعتقاد صحيح ؟
قلت : كلا ! بل هو باطل .. والصحيح أن هناك بعث ونشور وحساب وجزاء .. وجنة ونار !!
قالت : يا أماه .. وما فائدة هذا الاعتقاد إذا لم يظهر أثره في سلوك الإنسان وتصرفاته .. وفي أدائه للصلاة ومحافظته عليها في أوقاتها ألم يقل سبحانه " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " ؟!!
فتأملت كلامها فوجدته هو الحق وأثر ذلك عليَّ فأصبحت ولله الحمد بعد هذا الحوار من المحافظات على الصلاة والسنن الرواتب وأدعو الله أن يثبتني على ذلك .
وفي خلقه شؤون
كنا نعيش في قرية نائية قاسية الطبع والطباع .. والمصلون فيها لا يتجاوزون بضعة أشخاص وهم من طبقة المسنين الذين تقوّست ظهورهم عبر الأيام لكن الغريب أن بين هؤلاء المصلين طفل صغير لم يتجاوز التاسعة من عمره .. إنه أخي الصغير الذي كانت تستعر في صدره جذوة الإيمان وكان لا يهدأ له بال إلاّ إذا صلى الفجر في جماعة رغم بعد منزلنا عن المسجد ووحشة الطريق بالنسبة لطفل صغير في سنه .
ذات يوم وبينما هو ذاهب إلى صلاة الصبح اعترضته مجموعة من الكلاب وانطلقت وراءه بسرعة كبيرة فأطلق لقدميه العنان وراح يسابق الريح حتى لاذ إلى جوار أحد المنازل وهو يصيح ، فخرج صاحب المنزل الذي احتمى به هذا الصغير وقام بإبعاد هذه الكلاب عنه
وذهب معه وهو آخذ بيديه إلى المسجد وصليّا الصبح معاً .. ومن كان يدري أن هذه هي البداية لهداية هذا الرجل الذي كان لا يصلي .
اصدق يصدقك
جلست مع بعض الأخوة في أحد المجالس فدخل علينا غلام صغير لم يجاوز السابعة وأبوه وقتها كان مغترباً في الخارج
فسلّم علينا وبدأ يصافحنا واحداً واحداً ووصل إلى أحد الجالسين فتجاوزه ولم يصافحه وأكمل مصافحة الآخرين وحين سُئل عن ذلك أجاب – لا فضَّ الله فاه - : " هو يستاهل أكثر .. هو لا يصلي " .
وأخذنا ننظر إليه في ذهول ونختلس النظر إلى الشخص المقصود الذي أطرق في إحراج واحمر وجهه خجلاً ، وشاء الله أن تقع كلمات الصبي منه موقعاً ومنا كذلك ، فعلمت فيما بعد أنه ترك ما كان يعتقده من الباطل وواظب على الصلاة وتعلمنا من الموقف أن نقول الحق ما استطعنا إلى قوله سبيلا وأن الساكت عنه شيطان أخرس والحمد الله على نعمة الهداية والإسلام .
إضراب عن الطعام
كان أبي لا يصلي ، وكان يحبني كثيراً ، وقد كنت أنصحه دائماً بأن يصلي ويتقي الله مُذكراً إياه بالنار والعذاب المحيط بأهلها الجاحدين ،
ولما أيقنت أن لا فائدة ترجى من نصحي له لجأتُ إلى خطة لا تدور على خاطر أحد : أبي يحبني كثيراً فاستغليتُ حبهُ لي فأضربت عن الطعام تماماً ،
وعندما تأكد أبي أنني لن آكل سألني عن سبب امتناعي عن الأكل ، فأخبرته أني لن آكل حتى يصلي فقام وصلى الظهر وأنا بدوري أكلت طعامي .
أما أبي فظن أنه شيء من الحماس استبدَّ بي وأني لن أكرر امتناعي عن الأكل ، فامتنع عن الصلاة وأنا ما لبثت إلا أن أضربت عن الطعام ست ساعات وجاء أبي وبيده الطعام ليطعمني فقلت له : إني حلفت أن لا آكل حتى أراه يصلي يومياً ، فوضع أبي الطعام على مقربة مني ومضى بسبيله ، فنمت جنب الطعام حتى أذان الفجر فصليت وعدت للنوم ، والطعام ما زال جاري لم أمسه ، وأتى أبي والطعام ما زال على الحال الذي تركه فتأثر بهذا الموقف أيما تأثر وأعجبته جداً عزيمة طفله الصغير ، واستيقظتُ من نومي فألفيته يبكي والدموع في عينيه ووعدني وعداً صادقاً أن يصلي ويتقي الله ومنذ ذلك اليوم لا يترك صلاته أبداً .
والمهم ذكره أنه إذا سُئل من أحد أصدقائه عن سبب هدايته المفاجئة يجيب قائلاً : إنه الإضراب عن الطعام .
من المخالف
أخبرني صديقي أنه ذهب إلى العاصمة صنعاء برفقة طفله الصغير وفي أثناء تجولهم بسيارتهم الخاصة في شوارع العاصمة توقف في أحد جانبي الشارع ونزل الأب ليقضي بعض حاجاته من السوق فيما بقي الطفل في السيارة .. وفجأة جاء شرطي المرور ليخبر الطفل بأن والده قد ارتكب مخالفة مرورية نتيجة توقفه في هذا المكان غير المخصص للوقوف .
فسأل الطفل رجل المرور قائلاً : هل صليت الفجر في جماعة ؟!
فخجل الشرطي من هذا السؤال العجيب .. وأجاب بتلعثم واستحياء : لا ، أنا لم أصل الفجر في جماعة .
عندها قال له الطفل : إذن أنت الذي ارتكبت المخالفة ، وليس أبي .
فندم الشرطي وأعلن التوبة في حينها ، فكان هذا الطفل الصغير سبباً في هدايته واستقامته .
في ذمة الله :
حدثتني أختي أن أحد المعلمين كان يشرح المادة لطلابه الصغار ، وكان مستدبراً لهم ووجهه للسبورة .. فرماه أحد الطلبة المشاغبين بالطبشور فأصابت المعلم في رأسه .. صرخ المعلم قائلاً : من فعل ذلك ؟ من الذي رمى بالطبشور ؟! ولكن لم يجبه أحد وظل المعلم يسأل ويتوعد ويتهددهم بالعقاب ،
فأشار الطالب الفاعل على زميله الذي يجلس أمامه ( وهو لا يراه ) ، فأمره الأستاذ بالنهوض ، وقال له : لماذا رميت الطبشورة ؟
والطالب المسكين يقول له : لم أفعل يا أستاذ .. فأخذه وذهب إلى المدير ..
فقال اله المدير : هيا اعترف .. لماذا فعلت ذلك مع الأستاذ ؟!
والطالب المسكين يُنكر ويحلف أنه لم يرم الطبشور ..
وهنا أمره المدير أن يفتح يده ليضربه .. فأبى الطالب وقال له : لا تقدر أن تضربني .. فصعق المدير والمعلم .. كيف يقول ذلك ؟!!
بل أستطيع .. فبكى الطالب ، وقال : لا .. لا تستطيع ضربي .. أولاً لأنني مظلوم ، وثانياً لأنني اليوم صليت الفجر في المسجد ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله " ..
فبكى المعلم والمدير وهداهما الله ، فأصبحا يحافظان على الصلاة مع الجماعة وخصوصاً صلاة الفجر .