رغم أن إثيوبيا استبقت اجتماع مجلس وزراء دول حوض النيل في 26 يونيو / حزيران بالضغط على بوروندى والكونغو الديمقراطية للتوقيع على اتفاقية عنتيبي ، إلا أن القاهرة كان لها رأي آخر في هذا الصدد حيث لم تكتف بالحيلولة دون نجاح مخطط أديس أبابا بل إنها تحركت أيضا لإحداث اختراق بين الموقعين على الاتفاقية التي تهدد حصة مصر التاريخية في مياه النيل .
ففي 22 مايو الماضي ، قام رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا بزيارة رسمية لمصر تعتبر الأولى من نوعها ، وبالنظر إلى أن الكونغو من دول منابع النيل التي رفضت التوقيع على اتفاقية عنتيبي حول إعادة توزيع الحصص في مياه النيل والتي ترفضها مصر والسودان ، فإن زيارة كابيلا كانت تحمل أهمية قصوى بالنسبة لدعم موقف مصر في مواجهة مخططات إثيوبيا وإسرائيل .
ولم يقتصر الأمر على ما سبق ، بل إن رئيس الوزراء الكيني رايلا أودينجا زار مصر أيضا في اليوم ذاته بالتزامن مع زيارة كابيلا ، ورغم أن كينيا وقعت على اتفاقية عنتيبي ، إلا أن أودينجا أكد أنه لا نية للتأثير على أمن مصر المائى ، وأضاف بعد لقائه بالدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري في القاهرة أن الرسالة التى حملها هى رسالة تفاؤل ، قائلا :" مصر لن تتأثر بالاتفاقية الموقعة مؤخرا في عنتيبي حول إعادة تقاسم مياه النيل وإن الفقرة موضوع الخلاف سيتم النظر فيها والتفاوض بشأنها وليس هناك شىء منقوش على الحجر وسوف نخرج فى المستقبل بشكل مقبول من الجانبين من خلال التفاوض".
وأشار رئيس وزراء كينيا إلى أن العلاقات بين مصر وباقى دول حوض النيل تقوم على أساس التعاون المشترك لتحقيق مصالح الجانبين , قائلا :" لن نسمح بأى تدخل خارجي لإلحاق أي أذى بمصر".
زيارة عمر سليمان
|
| |
| عمر سليمان | | |
وبالنظر إلى أن مصر كانت تعي جيدا أن إثيوبيا ستستغل اجتماع مجلس وزراء دول حوض النيل والذي يضم وزراء الموارد المائية والرى بدول الحوض للضغط على بقية دول المنبع وهي بوروندى والكونغو الديمقراطية لسرعة التوقيع على الاتفاقية الجديدة تمهيدا لعرضها على المنظمات الدولية المعنية لإقرارها والبدء فى تنفيذها تحت مظلة دولية حتى يتسنى لتلك الدول الحصول على الدعم اللازم لإقامة مشروعات مائية وكهربائية على نهر النيل دون الرجوع إلى مصر والسودان ، فقد سارعت أيضا لإحداث اختراق جديد في اتفاقية عنتيبي عبر أوغندا .
ففي 23 يونيو وقبل ثلاثة أيام من انطلاق اجتماع مجلس وزراء دول حوض النيل في أديس أبابا ، توجه مدير المخابرات العامة المصرية الوزير عمر سليمان إلى كمبالا في زيارة لأوغندا بحث خلالها مع الرئيس يوري موسيفيني آخر تطورات الوضع في دول حوض النيل وتلافي تداعيات اتفاقية "عنتيبي" التي وقعتها 5 من دول المنبع .
وفي السياق ذاته ، توجه وزير المالية المصري بطرس غالي إلى بوروندي يرافقه عدد من كبار مسئولي وزارة الري برئاسة عبد الفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل.
ورغم أنه لم يعلن حينها عن نتائج التحركات السابقة ، إلا أن كثيرين رجحوا أن تظهر ثمارها خلال اجتماع أديس أبابا في 26 يونيو وما إذا كانت مصر نجحت بالفعل في إجهاض مخطط إثيوبيا وإحداث اختراق في اتفاقية عنتيبي .
وبصفة عامة ، فإن مصر لن تتراجع عن موقفها الرافض للتوقيع على أي اتفاق جديد حول مياه النيل دون موافقتها ، وهذا ما يجب أن تعيه إثيوبيا التي تنفذ أجندة إسرائيلية لا تخدم أحدا في دول حوض النيل .
اتفاقية عنتيبي
وكانت خمس من الدول التي تقع على منابع النيل وهي إثيوبيا وأوغندا وكينيا ورواندا وتنزانيا وقعت اتفاقية جديدة في 14 مايو الماضي في عنتيبي بأوغندا تعطيها الحق في كميات أكبر من مياه النيل واعتبرتها اتفاقية بديلة للاتفاقيات المبرمة منذ العهود الاستعمارية.
ورفضت مصر والسودان على الفور الاتفاقية الجديدة لأنها تتضمن إقامة العديد من مشروعات الري والسدود المائية المولدة للكهرباء في دول المنبع وهو ما يؤثر على حصتيهما التاريخية في مياه النيل .
فمعروف أن اتفاق تقاسم مياه النيل الذي وقع عام 1929 بين مصر وبريطانيا وتمت مراجعته عام 1959 يمنح مصر حصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا ، بينما يبلغ نصيب السودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل البالغة 84 مليار متر مكعب سنويا ، وهو ما يعني أن البلدين يحصلان على حوالي 87 في المائة من مياه النهر.
وبالنظر إلى أن القاهرة تمتلك بموجب اتفاق 1929 حق النقض فيما يتعلق بأي أعمال أو إنشاءات يمكن أن تؤثر على حصتها من مياه النهر مثل السدود والمنشآت الصناعية اللازمة للري ، فقد أعلنت فور توقيع اتفاقية عنتيبي أنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة للتأكيد لجميع المنظمات الدولية أن تلك الاتفاقية ضد القانون الدولي وغير ملزمة لمصر وتمثل تعديا على حقوقها المائية.