تفاقم أزمة مياه النيل ومصر تدرس معاقبة دول المنابع
|
| |
| نهر النيل في القاهرة | | |
القاهرة: تفاقمت أزمة مياه النيل بين دول المنابع السبع ودولتي المصب "مصر والسودان" ووصلت إلى طريق مسدود بعد ان وجهت تلك الدول صفعة شديدة للدبلوماسية المصرية ورفضت مناقشة بنود الاتفاقية الإطارية وخاصة تلك المتعلقة بنسبة تقاسم المياه، الأمر الذي وضع الحكومة المصرية في موقف حرج أمام شعبها بعد أن روجت إلى إمكانية حدوث إختراق لـ "هيمنة" إثيوبيا على قرار دول المنابع.
وكشف مصدر مطلع بمبادرة دول حوض النيل لصحيفة "الدستور" المستقلة، عن أن رؤساء وفود الدول الخمس التي وقعت على الاتفاقية بشكل منفرد، وهي "إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا" أبلغوا الوفد المصري المشارك في اجتماع وزراء المياه الذي بدأ أعماله أمس السبت بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، بأن تلك الدول لن تتراجع عن توقيعها علي الاتفاقية، كما أنها لن تعود إلي المفاوضات مع كل من مصر والسودان حول النقاط الخلافية بالاتفاقية الإطارية.
وأضاف المصدر أن الاجتماع سيقتصر فقط علي استعراض المشروعات المنفذة في إطار مبادرة حوض النيل، وكذلك إقرار خطة العمل والميزانية للسنة المالية 2010 ـ 2011.
وكانت مفاوضات دول الحوض قد بدات قبل نحو عشر سنوات بهدف الوصول إلي طريقة أفضل لتقسيم مياه النيل، في ظل الأخطار التي تواجه تلك الدول من التغير المناخي والتهديدات البيئية والتزايد السكاني، لكن هذه المفاوضات توقفت في مشهد عدائي عندما وقعت خمس من دول المنبع اتفاقية جديدة لتقاسم المياه، وانقسم الحوض إلي مصر والسودان الرافضتين الاتفاقية في جانب وسبع دول هي منبع النهر.
ووقعت اثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا، ثم كينيا، في 14 مايو/آيار الماضي، اتفاقا جديدا حول تقاسم مياه نهر النيل على الرغم من مقاطعة مصر والسودان، مما اثار غضب القاهرة التي اعلنت ان الاتفاق غير ملزم لها.
وبعد ساعات من توقيع الاتفاق، أعلنت إثيوبيا عن افتتاح أكبر سد مائي على بحيرة "تانا"، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك في سابقة خطيرة تؤشر إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر.
وحذر خبراء مصريون في مجال المياه من خطورة إنشاء مثل هذه السدود علي حصة مصر من مياه النيل، واصفين إنشاءها بالسابقة الخطيرة التي ستدفع دول حوض النيل الأخري إلي أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بإنشاء السدود دون الرجوع إلي مصر.
وأوضحوا أن هناك من سيخرج ويقول إن هذه السدود مخصصة فقط لتوليد الكهرباء، والرد علي هؤلاء هو أنه ليست هناك مشروعات لتوليد الكهرباء وأخري للمشروعات الزراعية، فكل السدود هي لتخزين المياه وبالتالي فإن تخزين المياه سيؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل. وأشاروا إلي أن إثيوبيا لديها خطة معلنة تستهدف إنشاء 40 سداً لتوفير ما يقرب من 7 مليارات متر مكعب سنوياً.
معاقبة دول المنبع
في سياق متصل، كشف مصدر مسئول بوزارة الخارجية المصرية عن أن مصر تدرس حالياً وقف مشروعات التعاون مع دول منابع النيل في إطار مبادرة دول حوض النيل، وذلك رداً علي عدم موافقة هذه الدول علي العودة إلي مائدة المفاوضات مرة أخري.
وهي المائدة التي تركتها دول المنابع منذ اجتماع وزراء المياه بدول حوض النيل في أبريل/نيسان الماضي الذي أعلنت فيه دول الحوض أنها ستوقع علي الاتفاقية الإطارية بشكل منفرد في مايو/آيار الماضي.
وكان الرئيس المصري حسني مبارك أكد في تصريحات له يوم الاربعاء الماضي أن الحوار هو السبيل لحل الأزمة بين دول حوض نهر النيل ، مطمئنا مواطنيه حيال هذه الأزمة بقوله " ان القلق فى هذا الخصوص لا مبرر له على الاطلاق".
وقال المتحدث باسم الرئاسة السفير سليمان عواد ، فى مؤتمر صحفى عقب اجتماع مبارك مع أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم، إن بعض النواب أعربوا عن القلق من الأزمة بين دول المنبع والمصب بحوض النيل الا أن الرئيس مبارك أكد لهم أن القلق فى هذا الخصوص لا مبرر له على الاطلاق.
وأضاف: أن الرئيس مبارك أوضح " أن الاعلام ، للأسف ، من كلا الجانبين بمصر ودول الحوض زاد من الاحساس بهذا القلق " ، ودعا الى " التعامل الهادىء على المستوى الاعلامى من جانبنا حتى لا نستثير ردود فعل اعلامية من جانب دول الحوض " .
وأشار المتحدث الى أن الرئيس مبارك أكد أن الحوار هو السبيل للتحرك مع دول الحوض وان مصر تتحرك تحركا هادئا مع هذه الدول ولفت الى أنه عندما يتم رفع مستوى الحوار الى مستوى قادة الدول فسوف يتم تجاوز العقبات الفنية التى حالت دون اتفاق وزراء الرى والموارد المائية فى الدول التسع أعضاء الحوض حتى الآن.
سخط رسمي وشعبي ضد مصر
في هذه الأثناء، ألمحت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إلى تزايد السخط الرسمي والشعبي في دول منابع النيل ضد موقف مصر الرافض للتوقيع علي اتفاقية عنتيبي التي تعيد تقسيم مياه النيل.
ولفتت الصحيفة إلي أن مصر تقول إن القانون يقف إلي جانبها وإن لها حقوقاً تاريخية في مياه النهر وتدافع عنه بقوة حتي انها أحيانا تهدد باستخدام القوة العسكرية.
وقالت: "إن مصر كانت قد أوفدت منذ عقود مهندساً لسد "واين فالز" علي نهر النيل في أوغندا يراقب تدفق المياه في النيل، لكن أوغندا وفي إشارة إلي تزايد سخطها علي سياسة القاهرة تجاه الحوض أوقفت تزويد هذا المهندس بالمعلومات منذ عامين".
ونقلت الصحيفة عن مسئول اثيوبي قوله: "إن دول أعالي النيل تعتبر خطوة مصر الرافضة للتوقيع تصل إلي حد الإهانة. ونقلت عن أحد المزارعين الأوغنديين القول إن "مصر غير عادلة تماما. لدينا المنبع لذا ينبغي علينا أن نتمكن من استخدام المياه".
ونقلت "الدستور" عن تقرير "الجارديان"، إن التهديد الذي تواجهه مصر بفقدان جزء من حصتها في مياه النيل قد وضع دورها الإقليمي ومشروعاتها التنموية التي تؤسسها في الصحراء علي المحك، فلطالما اعتمدت مصر علي حصتها من مياه النيل في بناء طموحها التقني، كما أثرت تلك الحصة بشكل واضح في حظوظ مصر الاقتصادية والسياسية وهويتها الثقافية.
وأشارت الصحيفة في التقرير الذي نشرته علي موقعها الإلكتروني إلي أن أي انخفاض في حصة مصر في مياه النيل سيترتب عليه عواقب خطيرة في شتي أنحاء البلاد، ليس فقط بالنسبة لحقول الموالح في دلتا النيل، ولكن علي بعد حوالي 500 ميل بالقرب من أسوان، حيث يكافح المزارعون جاهدين للعثور علي المياه العذبة ويعتمدون علي النهر بنسبة 90 %.
مصر في خطر
كان خبراء مصريون في مجال المياه، أكدوا أن الدول التي وقعت علي الاتفاقية الإطارية، هي الأخطر علي حصة مصر من مياه النيل، مرجعبن ذلك إلي أن إثيوبيا تتحكم وحدها فيما يقرب من 85% من حصة مصر من مياه النيل، في حين تتحكم كل من أوغندا وتنزانيا في بحيرة فيكتوريا التي تسهم بما يقرب من 15% من حصة مصر من المياه؛ حيث تصب أغلب الفروع والمجاري في بحيرة فيكتوريا عبر كل من أوغندا وتنزانيا، أما خطورة رواندا فتأتي في أنها ترفع شعار "بيع المياه لمن يدفع أكثر".
وقالوا : "إن بوروندي والكونغو لا تتحكمان في نهر النيل، أما كينيا فهي أقل الدول تحكماً، وأوضحوا أن الضرر من توقيع هذه الاتفاقية سيقع علي مصر بشكل أساسي، مشيراً إلي أن آثاره قد تظهر بعد 50 عاماً، خاصة أن إثيوبيا تتوسع في إقامة السدود والمشروعات المائية بها، وهذ ا الأمر يعد خصماً من حصة مصر السنوية من مياه النيل".
وأشاروا الي أن التوقيع المنفرد لدول المنابع علي الاتفاقية الإطارية سيؤدي إلي تناقص حصة مصر من مياه النيل، مضيفين أنه لا يمكن التنبؤ بنسبة هذا التناقص في الوقت الحالي، لكن نقصان متر مكعب واحد من المياه ليس في صالح مصر.