منتدى مدرسة السادات الثانوية بنات بالزقازيق - محافظة الشرقية - مصر
مرحبا بالزائرين الكرام وتشرفنا زيارتكم
ونتمنى من كل زائر التسجيل والمشاركة بفاعلية
وكل عام وأنتم بخير ومصر الغالية فى أمن وسلام .
منتدى مدرسة السادات الثانوية بنات بالزقازيق - محافظة الشرقية - مصر
مرحبا بالزائرين الكرام وتشرفنا زيارتكم
ونتمنى من كل زائر التسجيل والمشاركة بفاعلية
وكل عام وأنتم بخير ومصر الغالية فى أمن وسلام .
منتدى مدرسة السادات الثانوية بنات بالزقازيق - محافظة الشرقية - مصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى مدرسة السادات الثانوية بنات بالزقازيق - محافظة الشرقية - مصر
 
الرئيسيةمجلة الساداتأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
كلمة مدير المنتدى
بسم الله الرحمن الرحيم
قال جبريل عليه السلام يا محمد ‏والذي بعثك ‏بالحق لا يدعوا احد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنوبه واشتاقت إليه ‏الجنة واستغفر له المكان وفتحت له ‏أبواب الجنة فنادته الملائكة يا ولي الله ‏ادخل من آي أبواب الجنة تشاء. والدعاء سهل يمكن قوله ‏دائما و ‏هو.... ''‏اللهم إني أسالك إيمانا دائما وأسألك قلبا خاشعا وأسألك علما ‏نافعا وأسألك يقينا صادقا وأسألك ‏دينا قيما وأسألك العافية من كل ‏بلية'' '‏اللهم أغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء ‏منهم و الأموات".
المواضيع الأخيرة
» امتحان ديسمبر 13-2
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الجمعة مارس 21, 2014 10:50 pm من طرف إبراهيم15

» هدية الأستاذ محمد صالح : تحميل ويندوز اكس بي واجهة فيستا بحجم 2 ميجا فقط Windows Longhorn 2MB وحجمه الحقيقى بعد حرقه 800 ميجا
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الخميس فبراير 20, 2014 2:15 am من طرف ka4503

» اقوال ماثورة
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الخميس فبراير 13, 2014 6:21 am من طرف fatima ahmed

» برنامج داون لود منجر
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الخميس ديسمبر 26, 2013 7:25 am من طرف مسيو/محمد قطب

» جداول الشرقية يناير2014
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الخميس ديسمبر 26, 2013 7:15 am من طرف مسيو/محمد قطب

» امتحان ديسمبر 13- 1
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الجمعة ديسمبر 20, 2013 9:22 pm من طرف مستر جمال الحسينى

» صورة متفوقة
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الإثنين ديسمبر 16, 2013 9:37 pm من طرف مستر جمال الحسينى

» امتحان تدريبى للصف الثالث الثانوى
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الجمعة ديسمبر 13, 2013 11:13 pm من طرف مسيو/محمد قطب

» الأختبار الأول للصف الثالث
نقد أدبى لـ Icon_minitime1الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 9:02 am من طرف مستر جمال الحسينى

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
منار الشحات - 2575
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
*نورهان أحمد عبدالله* - 1968
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
mohameddddd - 1416
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
أفنان حسن - 941
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
ايمان عبد الرحمن محمد - 842
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
ايمان مصطفى متولى - 351
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
حنين قمر الزمان - 175
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
admin - 162
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
fatima ahmed - 156
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
مادونا عماد - 144
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
أفضل 10 فاتحي مواضيع
mohameddddd
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
منار الشحات
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
ايمان مصطفى متولى
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
ايمان عبد الرحمن محمد
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
أفنان حسن
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
admin
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
مستر جمال الحسينى
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
*نورهان أحمد عبدالله*
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
MR TAREK
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
m13m2000
نقد أدبى لـ Vote_rcapنقد أدبى لـ Backfo10نقد أدبى لـ Vote_lcap 
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأكثر نشاطاً
<< يــقـــــربــــلك ايــــــــــه الاســـــــم ده >>
لعبة قمر14
مركز المنتدى لاهداء الورود بعد العدد خمسة 5
من 1 الى 8 و أختر اي عضو ان يذهب معك الى رحلة سياحية
لعبة سوبر ستار المنتدى من 1 ............5
من واحد ...................... أربعة
لو انت مدرس, تطرد مين من حصتك من الاعضاء
₪ ₪¯−ـ‗_اختار وظيفه للعضو اللى بعدك_‗ـ−¯Ξ₪ ₪
من 1 لخمسة و اختر عضو يكنس المنتدى
لعبة الزحلقه
المواضيع الأكثر شعبية
كيف تكتب براجراف بطريقة سهلة هام جدا
مذبحة قرية شمس الدين بنى مزار محافظة المنيا فى ديسمبر 2005 التى تقشعر لها الأبدان بالفيديو لقاء مع المتهم القاتل واهالى المذبوحين العشرة فى أهم موضوعات المنتدى
معلومات رائعة عن مرضى الدوالى والنقرس
أهم مواقف الصف الثانى الثانوى مع الاجابات النموذجية
شاهد كل صور زفاف شريف رمزي عن منة حسين فهمي ثم انفصالهم فى هدوء تام واسرار رهيبة تكشفها الصور
ترجمة عربى وانجليزى لنماذج الصف الثانى الثانوى
طريقة عمل الخبز المصرى البلدى بالصور وطريقة عمل الخبز الفينو بكل أنواعه بالصور
بالصور شاهد زفاف دينا هانى شاكر . وبكاء والدها هانى شاكر بعد وفاتها
كيف تكتب برجراف بطرقة صحيحة
مطلوب مدرسين ومدرسات لدولة الكويت 2011 - 2012
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1816 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو ادم فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 10772 مساهمة في هذا المنتدى في 3614 موضوع

 

 نقد أدبى لـ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منار الشحات
عضو سوبر
عضو سوبر
منار الشحات


نقاط العضو : 329588
تقييم العضو ( هام جدا ) : 36106
العمر : 30
الموقع : sadat2010.9f.com

نقد أدبى لـ Empty
مُساهمةموضوع: نقد أدبى لـ   نقد أدبى لـ Icon_minitime1السبت يونيو 05, 2010 11:59 pm

لأن الموضوع أثار الجدل منذ صدور الرواية إلى حقبتنا الزمنية الحالية ..
ولأن البعض لم يقرأ نقد أدبى (بمفهوم النقد الأدبى ) وأكتفى بالنقد الدينى للرواية ..
أحببت نقل هذا الموضوع لما رأيت فيه من فائدة / بعيداً عن أتفاقنا أو أختلافنا مع الرواية ..أثق أن نظرتنا للأمر سيشوبها بعض التغيير ..
أتمنى جعل هذا الموضوع للقراءة / فقط ؛ لكى يخرج بالشكل الائق ..(حتى الأنتهاء منه على الأقل



****

الدكتور إبراهيم قاسم " سيرة ذاتية "



الاسم: إبراهيم محمد إبراهيم قاسم.
تاريخ ومحل الميلاد: 13/12/1952م جزيرة السعادة/ الزقازيق/ مصر.
العمل: أستاذ جامعي.
محل العمل: كلية اللغة العربية جامعة الأزهر- القاهرة.
المؤلفات
- الأدب في صدر الإسلام بين الثبات والتطور
- الليل في الشعر الجاهلي.
- موقف الحداثة من الدين واللغة.
- الرموز والإشارات في رواية أولاد حارتنا.
- النقد في ظلال الرسول والخلفاء الراشدين.
- من ذخائر التراث العربي.
- عنترة بن شداد شاعر الحب والحرب.
- نظرات في مصادر التراث العربي.
- كبرياء المتنبي من شعره.
- النقد الأدبي في ظلال الأمويين.
- النماذج البشرية في شعر ابن الرومي.
- التصوير الحسي في شعر المكفوفين.

الجمعيات العلمية
- اتحاد الكتاب بمصر.
- جمعية الشبان المسلمين.
- الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة.
- رابطة الأدب الإسلامية.
- جبهة علماء الأزهر.
- رابطة الأدب الحديث.
- جمعية الخدمات الأدبية.
- جمعية جوامع الخير الإٍسلامية.

الرسائل الجامعية:
أشرف ويشرف على العديد من الرسائل الجامعية منها:
- عناية المتنبي بديوانه (دكتوراه).
- ابن شهيد الأندلسي (ماجستير).
- قاسم مظهر (ماجستير).
- الاغتراب في شعر ابن غين (ماجستير)
وغيرها من الرسائل التي أشرف عليها أو ناقشها.

التخصص: الأدب والنقد (القديم)
- يعمل الآن بكلية الآداب للبنات بالدمام، المملكة العربية السعودية.



*****




نقد رواية أولاد حارتنا


مقدمة وتمهيد
الفصل الأول : مضمون الرواية .
الفصل الثاني : رموز الرواية
الفصل الثالث : إشارات الرواية
الفصل الرابع : الدين والعلم في روايات نجيب محفوظ
الفصل الخامس : نظرة فنية في هذه الرواية .
الفصل السادس رموز الرواية وإشاراتها بين الأدباء والنقاد
الخاتمة :




تابعونا ..


عدل سابقا من قبل منار الشحات في الأحد يونيو 06, 2010 12:09 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadat2010.9f.com
منار الشحات
عضو سوبر
عضو سوبر
منار الشحات


نقاط العضو : 329588
تقييم العضو ( هام جدا ) : 36106
العمر : 30
الموقع : sadat2010.9f.com

نقد أدبى لـ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نقد أدبى لـ   نقد أدبى لـ Icon_minitime1الأحد يونيو 06, 2010 12:01 am


مقدمة وتمهيد


أولاد حارتنا رواية رمزية أو لنقل إنها مجموعة من الحكايات التي تحاول اتخاذ التاريخ البشري على مر العصور ميدانا لأحداثها ، فقد اعتمد نجيب محفوظ فيها على الجانب التاريخي اعتمادا كاملا ، ولقد أثارت تلك الرواية ضجة كبيرة ما بين مؤيد ومعارض وقد اعترض عليها الأزهر (كما ذكر نجيب محفوظ في حواره مع الصحفي والكاتب محمود فوزي) وأدى هذا الاعتراض إلى عدم نشرها
يقول نجيب محفوظ (
اعترافات نجيب محفوظ ، محمود فوزي ص 88 دار الشباب العربي ) " عندما نشرت هذه الرواية في حلقات مسلسلة في جريدة الأهرام ، اعترض عليها الأزهر بشدة ، وهاجمها الشيوخ ، ثم فوجئت بالمرحوم صيري الخوي يزورني ، ويقول لي : الريس جمال يبقولك أوقف نشر هذه الرواية ، وكان من الأمور الطبيعية في ذلك الوقت في فترة الستينات أن يحدث منع أو مصادرة لكتاب ، ولم يكن الأمر بالطبع وقتها يسمح بالاعتراض ، وما حدث هو أن شيوخ الأزهر قد قرءوا الرواية بعين رجال الدين ، وليس بعين الأدباء والنقاد ، فاعتقدوا أنها تمس الدين ، فأرسلوا شكاوى إلى جمال عبد الناصر الذي اهتم بالموضوع ، والحقيقة أنهم لم يقرءوا الرواية ، فأولاد حارتنا ليس نصا دينيا ، ولكنها عملا أدبيا " ( هكذا وجدت في النص المكتوب ، وفي هذا خطأ نحوي ، والصواب : عمل أدبي
)

من هنا أدرت أن أقرأ الرواية ، دون أن أقرأ قبلها شيئا يكون له تأثير على نظرتي الدينية أو الأدبية ، حتى نخرج منها
(من خلال القراءة المتأنية )
إلى حقيقة الأمر ، فهل الشيوخ لم يقرءوها كما ذكر نجيب محفوظ في نهاية النص ؟ أم أنهم قرءوها بعين رجال الدين كما ذكر وسط النص ذاته ؟ وهل هناك علاقة بين الرواية والأديان ؟ وهل تتعارض مع العقيدة والدين ؟
هذه أمور تجعل قراءة
" أولاد حارتنا "
قديمة جديدة ، وتسمح بإعادة الحديث عنها .

وإذا كان هناك الكثيرون ممن تصدوا للرواية وتناولوها ، سواء بالتقريظ أو بالتجريح ، فإن أحدا منهم
(فيما أتصور ) لم يوثق نصوصه ، ومن ثم كان اتهام هؤلاء بأنهم لم يقرءوا الرواية ، كما أن أحدا منهم (فيما أعتقد )
لم يربط بين اتجاه نجيب محفوظ في "أولا د حارتنا " وبين اتجاهه في غيرها من الروايات ، حتى نتعرف على فكر الرجل ، ونظرته للدين والعلم .

فالرواية تقع في مائة وأربعة عشر فصلا ، بعدد سور القرآن الكريم ، وهذا أمر فظن إليه كثيرون فقد ذكر ستوري ألن سكرتير الأكاديمية السويدية ذلك في حفل توزيع جوائز نوبل ، حيث قال " وللقراء الكثيرين الذين اكتسبهم نجيب محفوظ من خلال الثلاثة خلفيتها الواسعة التي تصور الحياة المعاصرة جاءت "أولاد حارتنا " كالمفاجأة ، فالرواية تمثل التاريخ الروحي للبشرية ، وقد قسمت إلى فصول بعدد سور القرآن الكريم ، أي 114 فصلا ، وشخصيات الإسلام واليهودية والمسيحية العظيمة تجئ متخفية لتواجه مواقف مملوءة بالتوتر فرجل العلم الحديث يمزج بنفس الجدارة بين إكسير الحب وبعض المواد المتفجرة ، وهو يتحمل مسؤولية موت "
الجبلاوي " أو الإله ، ولكنه يفنى هناك بريق أمل في نهاية الرواية . (نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة ص 11 خليل تادرس . مطبعة النصر 1989م)


وما من شك في أن هذه الرواية الرمزية قد تعرضت لكثير من الأمور الدينية ، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية ، أو غيرها وتناولت الكثير من المقدسات الإٍسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غيرها ، وتناولت الكثير من المقدسات الإسلامية وهذا ما أثار عليها وعلى كاتبها ردود فعل عنيفة ، مما جعل الرواية لا تظهر في مصر في كاتب كامل ، وإنما نشرت بعض فصولها في الصحف ، بيد أنها نشرت كاملة في بيروت .
ومن ثم فإني أحاول أن أصل إلى رأي في الرواية معتمدا على ما فيها دون تحيز أن تعصب ، وأن أبني ما أقول على ما كتبه الكاتب الكبير في روايته .

وقد بينت هذا البحث على تمهيد وستة فصول ، وخاتمة .
تناولت في التمهيد
: نشأة نجيب محفوظ وأثرها في فكره وأدبه .

ثم عرضت في الفصل الأول
: مضمون الرواية بإيجاز ، حتى يكون القارئ على بينة بما ورد فيها ، وخاصة أن الرواية لم تنشر في مصر .

وعقدت الفصل الثاني
: للرموز التي تناولها الكتاب في روايته ، وما ترمز إليه بالدليل والبرهان .

وفي الفصل الثالث
: تناولت الإشارات التي وردت في الرواية ، ومدلولاتها ، من خلال الواقع التاريخي ، مؤيدا ما أراه بالبراهين والحجج الدالة على صدق ما أرى .

وفي الفصل الرابع
: تناولت موقف الكتاب في رواياته من الدين والعلم ، من خلال شخصياته ، حتى نصل من خلال ذلك لفكر الكاتب .

أما الفصل الخامس
: فقد تناولت فيه الرواية من الجانب الفتي ، ومدى تأثر الرواية بالهدف الذي أراد الكاتب أن يصل إليه من ورائها .

وفي الفصل السادس
: تناولت آراء الأدباء والنقاد لرموز الرواية وإشاراتها ، معقبا على كل رأي بما أعتقده .

ثم كانت الخاتمة
التي ذكرت فيها بعض ما انتهيت إليه من نتائج من خلال هذا البحث .

وأخيرا :
فإني أرجو أن أكون وفقت إلى الوصول إلى رأي منصف يعتمد على استنتاج صادق .
فإن كان التوفيق فهو من الله عز وجل ، وإلا فحسبي أني اجتهدت . والله من وراء القصد
د . إبراهيم محمد قاسم .



****



تمهيد : نشأة نجيب محفوظ وأثرها في أدبه .


من المسلم به أن الفن ذو علاقة وطيدة بالحياة ، كما أنه من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين المبدع والعملية الإبداعية ، ولذلك فإن الربط بين الكاتب وحياته وبيئته أمر ضروري ، ومن ثم فإن علينا أن نتعرف على نشأة نجيب محفوظ وصداها في أدبه .
ولد نجيب محفوظ في حي الجمالية ، وكان ذلك عام 1911 م في وقت من أوقات التحول الاجتماعي التغيير الجغرافي بالنسبة لسكان القاهرة . ثم انتقلت أسرته إلى العباسية عام 1924 م وإن كان تأثير حياته الأولى في الجمالية أقوى وأظهر في إبداعه الروائي فلم ينس نجيب محفوظ (بعد أن رحل إلى العباسية ) أصدقاء الطفولة في الجمالية ، حيث كان يأتي إليها بين الحين والحين ، وتأثر بها إلى حد كبير . (انظر : نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة ص 19، 20 و" نجيب محفوظ يقول " رجب حسن ص 112 الهيئة المصرية العامة ) وقد عاش نجيب محفوظ في تلك الفترة عيشة شوارعية بمعنى الكلمة ، وعرف كثيرا من ألوان الحياة التي صورها في قصصه الحافلة . (انظر الرجل والقمة . بحوث ودراسات . اختيار فاضل الأسود . مقال عباس خضر " نجيب محفوظ نشأته انعكاسها في أدبه " ص 240)

وقد درس نجيب محفوظ في أثناء دراسته الجامعية الفلسفة ، إلى جانب اهتمامه بالأدب ، وهو يقول عن هذه المرحلة : " كنت أمسك بيد كتابا في الفلسفة وفي اليد الأخرى قصة طويلة ، من قصص توفيق الحكيم ، أو يحي حقي ، أو طه حسين ، وكانت المذاهب الفلسفية تقتحم ذهني في نفس اللحظة التي يدخل فيها أبطال القصص من الجانب الآخر ، ووجدت تنفس في صراع رهيب بين الأدب والفلسفة ، صراع لا يمكن أن يتصوره إلا من عاش فيه ، وكان على أن أقرر شيئا أو أجن ، ومرة واحدة قامت في ذهني مظاهرة من أبطال " أهل الكهف " الذين صورهم توفيق الحكيم ، و" البوسطجي " الذي رسمه يحي حقي ، والفلاح الصغير الذي لا يعرف الدنيا أبعد من حدود عيدان الغاب المنتصبة من حافة الترعة في رواية " الأيام " لطه حسين ، وأشخاص كثيرون من أبطال قصص محمود تميمور ، كلهم كانوا يسيرون في مظاهرة واحدة ، وإذا كان نجيب محفوظ قد اهتم بدارسة الأدب والفلسفة ، فإنه قد تأثر كذلك في قراءاته بكثير من الكتاب ، ولكن كان لسلامة موسى أثر قوي في تكوينه الفكري ، حيث وجهه إلى شيئين مهمين ، (كما يذكر نجيب محفوظ ) هما العلم والاشتراكية ، كما شجعه على الكتابة ، وقد أعجبته رواية " عبث الأقدار " ونشرها لنجيب في " المجلة الجديدة " ، كما نشر له بعض أقاصيصه في " الرواية " ومجلتي " (نجيب محفوظ الطريق والصدى د . على شلش ص 89 الهيئة العامة لقصور الثقافة 1993م )

وهو يقول عن أثر سلامة موسى في تفكيره " كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري ، فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية ، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن ، وكان الأديب الوحيد الذي قرأ رواياتي الأولى وهي مخطوطة ، قرأ ثلاث روايات ، وقال لي : إن عندي استعدادا ، ولكن الروايات غير صالحة للنشر ، ثم قرأ الرواية الرابعة ، وكانت " عبث الأقدار " وأعجبته ونشرها كاملة " (نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية . فؤاد دوارة ص 219 الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989م)


وتأثر نجيب محفوظ كذلك في أدبه بما قرأ لطه حسين والعقاد ، وغيرهما ، ممن يطلق بعض الكتاب عليهم " المنورين" أو أصحاب الدعوة إلى التنوير (انظر نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة . خليل تادرس ص 30) وممن كان لهم أثر في كتاباته .
كما كان للمسرح دور أساسي في تكوين وعيه الفكري وثقافته ، وهو يقول عن ذلك : " كنت من أشد المغرمين بالذهاب إلى المسرح ، ولم أكن أترك مسرحية واحدة دون أن أشاهدها (انظر نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية . فؤاد دوارة ص 197) وقد أعجب بكثير من كتاب المسرح العالمي ، كشكسبير الذي تأثر به كثيرا ، ويوجين أونيل ، وصمويل بيكيت ، ومن كتاب المسرح المصري : توفيق الحكيم ، ونعمان عاشور ، والفريد فرج ، وسعد الدين وهبة ، وعلى سالم (انظر المرجع السابق)


وإذا كان الأدب قد انتصر على الفلسفة في عقل نجيب محفوظ ، فإن أثر الفلسفة ظل واضحا في كتاباته ، حيث لم تتوقف قراءاته الفلسفية وإن قلت بعض الشيء .
وقد سئل عن أثر دراسة الفلسفة في كتاباته فأجاب : " إن الفلسفة دخلت في أكثر من عمل من أعمالي ، والفلسفة تؤثر في الأعمال الأدبية بصور مختلفة ، فهناك شخصيات متفلسفة أو متأثرة في سلوكها وأحاديثها بالأفكار الفلسفية ، وهي كثيرة في رواياتي (انظر المرجع السابق ) وكذلك كان للعلم أثره في تفكيره ، وفي نظرته للأشياء ، كما كان له دور بارز في كتاباته الأدبية ، وفي رواياته بصفة خاصة ، كما سيتضح مما ستعرضه فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وإذا كان نجيب محفوظ قد تأثر بعوامل متعددة كان لها دور في تكوين شخصيته وتشكيل عامله الثقافي ، فقد كان لبيئته كذلك أثرها في تكوينه ، لأن الأديب ابن البيئة ، وامتداد لما فيها من أماكن ومعالم . "ولهذا انعكست قاهرة المعز بكل تفاصيلها ودقائقها في أدب نجيب محفوظ ، فهو يحتفي ويحتفل في أدبه بعاداتها وتقاليدها وموروثاتها الاجتماعية " (انظر اعترافات نجيب محفوظ. محمود فوزي ص 14 دار الشباب العربي القاهرة )

لقد تعلق نجيب محفوظ بالقاهرة ،وبدا تعلقه بها وتأثرها بما فيها في كتاباته بصفة عامة ، وفي رواياته بصفة خاصة ، ولذلك ظهرت القاهرة بأحيائها الشعبية المختلفة في هذه الروايات ، بل وجدنا هذه الأحياء عناوين لبعض رواياته مثل : السكرية ، بين القصرين ، قصر الشوق ، خان الخليلي ، روض الفرج . كما نجد في رواياته وقصصه : مصر القديمة ، القاهرة الجديدة ، ثرثرة فوق النيل ، الحب فوق هضبة الهرم ، وغير ذلك من القصص والروايات التي نجد فيها صدى ارتباط الكاتب ببيئته .
وقد مر نجيب محفوظ في حياته الأدبية بمراحل ثلاث ، حيث بدأ بالمرحلة التاريخية ، فكتب
" عبث الأقدار عام 1939م ، و" رادوبيس " عام 1943م و" كفاح طيبة " عام 1944م ثم انتقل إلى المرحلة الواقعية ، حيث كتب " القاهرة الجديدة " عام 1945م وخان الخليلي عام 1946م و" زقاق المدق " عام 1947 م و" السراب " عام 1948م و " بداية ونهاية 1949م . ثم كانت ثلاثياته : بين القصرين ، وقصر الشوق ، والسكرية عام 1957 م ثم كانت المرحلة الفلسفية التي كتب خلالها "أولاد حارتنا" 1959م " واللص والكلاب " 1961م و "السمان والخريف" عام 1962م و "الطريق" 1964 وغير ذلك من الروايات .

وقد فاز الأديب الكبير بجائزة نوبل عام 1988م

كما حصل على الكثير من الجوائز والأوسمة قبل هذه الجائزة ، ففاز بجائزة قوت القلوب الدمرداشية عن رواية "روادوبيس" عام 1943م وفاز بجائزة المعارف عن رواية " كفاح طيبة" عام 1944م وفاز بجائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلي" عام 1946م وفاز بجائزة الدولة التشجيعية في الأدب عن رواية " قصر الشوق " عام 1957م وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1962م وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1970م وحصل على جائزة رابطة التضامن الفرنسية العربية عن "الثلاثية" ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا عام 1984م وحصل على قلادة النيل عام 1988 ، ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة عام 1989م (انظر حول الدين والديمقراطية . نجيب محفوظ ص 244 الدار المصرية النباتية 1990)

وأعمال نجيب محفوظ الأدبية كثيرة ومتعددة ، فقد كتب أكثر من ثلاثين رواية وسبع مسرحيات ، وأربع عشرة مجموعة قصصية قصيرة ، كما قام بالعديد من الترجمات ، وكتب للأطفال ، وله مجموعة مقالات ، وترجمت أغلب أعماله إلى اللغات المختلفة من إنجليزية وفرنسية وألمانية وصينية وسويدية .
وعلى ذلك نجد الكاتب الكبير قد فرض نفسه على الساحات الأدبية بما أنتجه من أعمال ، وما أبدعه من قصصه التي انتشرت وذاعت .
ومن ثم كان لزاما أن تكون وجهات النظر حوله وحول إبداعه الأبي ونتاجه الفكري مختلفة ومتباينة ، ونظرا للآراء والأفكار المتعددة التي طرحها في كتاباته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadat2010.9f.com
منار الشحات
عضو سوبر
عضو سوبر
منار الشحات


نقاط العضو : 329588
تقييم العضو ( هام جدا ) : 36106
العمر : 30
الموقع : sadat2010.9f.com

نقد أدبى لـ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نقد أدبى لـ   نقد أدبى لـ Icon_minitime1الأحد يونيو 06, 2010 12:02 am


مقدمة وتمهيد


أولاد حارتنا رواية رمزية أو لنقل إنها مجموعة من الحكايات التي تحاول اتخاذ التاريخ البشري على مر العصور ميدانا لأحداثها ، فقد اعتمد نجيب محفوظ فيها على الجانب التاريخي اعتمادا كاملا ، ولقد أثارت تلك الرواية ضجة كبيرة ما بين مؤيد ومعارض وقد اعترض عليها الأزهر (كما ذكر نجيب محفوظ في حواره مع الصحفي والكاتب محمود فوزي) وأدى هذا الاعتراض إلى عدم نشرها
يقول نجيب محفوظ (
اعترافات نجيب محفوظ ، محمود فوزي ص 88 دار الشباب العربي ) " عندما نشرت هذه الرواية في حلقات مسلسلة في جريدة الأهرام ، اعترض عليها الأزهر بشدة ، وهاجمها الشيوخ ، ثم فوجئت بالمرحوم صيري الخوي يزورني ، ويقول لي : الريس جمال يبقولك أوقف نشر هذه الرواية ، وكان من الأمور الطبيعية في ذلك الوقت في فترة الستينات أن يحدث منع أو مصادرة لكتاب ، ولم يكن الأمر بالطبع وقتها يسمح بالاعتراض ، وما حدث هو أن شيوخ الأزهر قد قرءوا الرواية بعين رجال الدين ، وليس بعين الأدباء والنقاد ، فاعتقدوا أنها تمس الدين ، فأرسلوا شكاوى إلى جمال عبد الناصر الذي اهتم بالموضوع ، والحقيقة أنهم لم يقرءوا الرواية ، فأولاد حارتنا ليس نصا دينيا ، ولكنها عملا أدبيا " ( هكذا وجدت في النص المكتوب ، وفي هذا خطأ نحوي ، والصواب : عمل أدبي
)

من هنا أدرت أن أقرأ الرواية ، دون أن أقرأ قبلها شيئا يكون له تأثير على نظرتي الدينية أو الأدبية ، حتى نخرج منها
(من خلال القراءة المتأنية )
إلى حقيقة الأمر ، فهل الشيوخ لم يقرءوها كما ذكر نجيب محفوظ في نهاية النص ؟ أم أنهم قرءوها بعين رجال الدين كما ذكر وسط النص ذاته ؟ وهل هناك علاقة بين الرواية والأديان ؟ وهل تتعارض مع العقيدة والدين ؟
هذه أمور تجعل قراءة
" أولاد حارتنا "
قديمة جديدة ، وتسمح بإعادة الحديث عنها .

وإذا كان هناك الكثيرون ممن تصدوا للرواية وتناولوها ، سواء بالتقريظ أو بالتجريح ، فإن أحدا منهم
(فيما أتصور ) لم يوثق نصوصه ، ومن ثم كان اتهام هؤلاء بأنهم لم يقرءوا الرواية ، كما أن أحدا منهم (فيما أعتقد )
لم يربط بين اتجاه نجيب محفوظ في "أولا د حارتنا " وبين اتجاهه في غيرها من الروايات ، حتى نتعرف على فكر الرجل ، ونظرته للدين والعلم .

فالرواية تقع في مائة وأربعة عشر فصلا ، بعدد سور القرآن الكريم ، وهذا أمر فظن إليه كثيرون فقد ذكر ستوري ألن سكرتير الأكاديمية السويدية ذلك في حفل توزيع جوائز نوبل ، حيث قال " وللقراء الكثيرين الذين اكتسبهم نجيب محفوظ من خلال الثلاثة خلفيتها الواسعة التي تصور الحياة المعاصرة جاءت "أولاد حارتنا " كالمفاجأة ، فالرواية تمثل التاريخ الروحي للبشرية ، وقد قسمت إلى فصول بعدد سور القرآن الكريم ، أي 114 فصلا ، وشخصيات الإسلام واليهودية والمسيحية العظيمة تجئ متخفية لتواجه مواقف مملوءة بالتوتر فرجل العلم الحديث يمزج بنفس الجدارة بين إكسير الحب وبعض المواد المتفجرة ، وهو يتحمل مسؤولية موت "
الجبلاوي " أو الإله ، ولكنه يفنى هناك بريق أمل في نهاية الرواية . (نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة ص 11 خليل تادرس . مطبعة النصر 1989م)


وما من شك في أن هذه الرواية الرمزية قد تعرضت لكثير من الأمور الدينية ، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية ، أو غيرها وتناولت الكثير من المقدسات الإٍسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غيرها ، وتناولت الكثير من المقدسات الإسلامية وهذا ما أثار عليها وعلى كاتبها ردود فعل عنيفة ، مما جعل الرواية لا تظهر في مصر في كاتب كامل ، وإنما نشرت بعض فصولها في الصحف ، بيد أنها نشرت كاملة في بيروت .
ومن ثم فإني أحاول أن أصل إلى رأي في الرواية معتمدا على ما فيها دون تحيز أن تعصب ، وأن أبني ما أقول على ما كتبه الكاتب الكبير في روايته .

وقد بينت هذا البحث على تمهيد وستة فصول ، وخاتمة .
تناولت في التمهيد
: نشأة نجيب محفوظ وأثرها في فكره وأدبه .

ثم عرضت في الفصل الأول
: مضمون الرواية بإيجاز ، حتى يكون القارئ على بينة بما ورد فيها ، وخاصة أن الرواية لم تنشر في مصر .

وعقدت الفصل الثاني
: للرموز التي تناولها الكتاب في روايته ، وما ترمز إليه بالدليل والبرهان .

وفي الفصل الثالث
: تناولت الإشارات التي وردت في الرواية ، ومدلولاتها ، من خلال الواقع التاريخي ، مؤيدا ما أراه بالبراهين والحجج الدالة على صدق ما أرى .

وفي الفصل الرابع
: تناولت موقف الكتاب في رواياته من الدين والعلم ، من خلال شخصياته ، حتى نصل من خلال ذلك لفكر الكاتب .

أما الفصل الخامس
: فقد تناولت فيه الرواية من الجانب الفتي ، ومدى تأثر الرواية بالهدف الذي أراد الكاتب أن يصل إليه من ورائها .

وفي الفصل السادس
: تناولت آراء الأدباء والنقاد لرموز الرواية وإشاراتها ، معقبا على كل رأي بما أعتقده .

ثم كانت الخاتمة
التي ذكرت فيها بعض ما انتهيت إليه من نتائج من خلال هذا البحث .

وأخيرا :
فإني أرجو أن أكون وفقت إلى الوصول إلى رأي منصف يعتمد على استنتاج صادق .
فإن كان التوفيق فهو من الله عز وجل ، وإلا فحسبي أني اجتهدت . والله من وراء القصد
د . إبراهيم محمد قاسم .



****



تمهيد : نشأة نجيب محفوظ وأثرها في أدبه .


من المسلم به أن الفن ذو علاقة وطيدة بالحياة ، كما أنه من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين المبدع والعملية الإبداعية ، ولذلك فإن الربط بين الكاتب وحياته وبيئته أمر ضروري ، ومن ثم فإن علينا أن نتعرف على نشأة نجيب محفوظ وصداها في أدبه .
ولد نجيب محفوظ في حي الجمالية ، وكان ذلك عام 1911 م في وقت من أوقات التحول الاجتماعي التغيير الجغرافي بالنسبة لسكان القاهرة . ثم انتقلت أسرته إلى العباسية عام 1924 م وإن كان تأثير حياته الأولى في الجمالية أقوى وأظهر في إبداعه الروائي فلم ينس نجيب محفوظ (بعد أن رحل إلى العباسية ) أصدقاء الطفولة في الجمالية ، حيث كان يأتي إليها بين الحين والحين ، وتأثر بها إلى حد كبير . (انظر : نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة ص 19، 20 و" نجيب محفوظ يقول " رجب حسن ص 112 الهيئة المصرية العامة ) وقد عاش نجيب محفوظ في تلك الفترة عيشة شوارعية بمعنى الكلمة ، وعرف كثيرا من ألوان الحياة التي صورها في قصصه الحافلة . (انظر الرجل والقمة . بحوث ودراسات . اختيار فاضل الأسود . مقال عباس خضر " نجيب محفوظ نشأته انعكاسها في أدبه " ص 240)

وقد درس نجيب محفوظ في أثناء دراسته الجامعية الفلسفة ، إلى جانب اهتمامه بالأدب ، وهو يقول عن هذه المرحلة : " كنت أمسك بيد كتابا في الفلسفة وفي اليد الأخرى قصة طويلة ، من قصص توفيق الحكيم ، أو يحي حقي ، أو طه حسين ، وكانت المذاهب الفلسفية تقتحم ذهني في نفس اللحظة التي يدخل فيها أبطال القصص من الجانب الآخر ، ووجدت تنفس في صراع رهيب بين الأدب والفلسفة ، صراع لا يمكن أن يتصوره إلا من عاش فيه ، وكان على أن أقرر شيئا أو أجن ، ومرة واحدة قامت في ذهني مظاهرة من أبطال " أهل الكهف " الذين صورهم توفيق الحكيم ، و" البوسطجي " الذي رسمه يحي حقي ، والفلاح الصغير الذي لا يعرف الدنيا أبعد من حدود عيدان الغاب المنتصبة من حافة الترعة في رواية " الأيام " لطه حسين ، وأشخاص كثيرون من أبطال قصص محمود تميمور ، كلهم كانوا يسيرون في مظاهرة واحدة ، وإذا كان نجيب محفوظ قد اهتم بدارسة الأدب والفلسفة ، فإنه قد تأثر كذلك في قراءاته بكثير من الكتاب ، ولكن كان لسلامة موسى أثر قوي في تكوينه الفكري ، حيث وجهه إلى شيئين مهمين ، (كما يذكر نجيب محفوظ ) هما العلم والاشتراكية ، كما شجعه على الكتابة ، وقد أعجبته رواية " عبث الأقدار " ونشرها لنجيب في " المجلة الجديدة " ، كما نشر له بعض أقاصيصه في " الرواية " ومجلتي " (نجيب محفوظ الطريق والصدى د . على شلش ص 89 الهيئة العامة لقصور الثقافة 1993م )

وهو يقول عن أثر سلامة موسى في تفكيره " كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري ، فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية ، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن ، وكان الأديب الوحيد الذي قرأ رواياتي الأولى وهي مخطوطة ، قرأ ثلاث روايات ، وقال لي : إن عندي استعدادا ، ولكن الروايات غير صالحة للنشر ، ثم قرأ الرواية الرابعة ، وكانت " عبث الأقدار " وأعجبته ونشرها كاملة " (نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية . فؤاد دوارة ص 219 الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989م)


وتأثر نجيب محفوظ كذلك في أدبه بما قرأ لطه حسين والعقاد ، وغيرهما ، ممن يطلق بعض الكتاب عليهم " المنورين" أو أصحاب الدعوة إلى التنوير (انظر نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة . خليل تادرس ص 30) وممن كان لهم أثر في كتاباته .
كما كان للمسرح دور أساسي في تكوين وعيه الفكري وثقافته ، وهو يقول عن ذلك : " كنت من أشد المغرمين بالذهاب إلى المسرح ، ولم أكن أترك مسرحية واحدة دون أن أشاهدها (انظر نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية . فؤاد دوارة ص 197) وقد أعجب بكثير من كتاب المسرح العالمي ، كشكسبير الذي تأثر به كثيرا ، ويوجين أونيل ، وصمويل بيكيت ، ومن كتاب المسرح المصري : توفيق الحكيم ، ونعمان عاشور ، والفريد فرج ، وسعد الدين وهبة ، وعلى سالم (انظر المرجع السابق)


وإذا كان الأدب قد انتصر على الفلسفة في عقل نجيب محفوظ ، فإن أثر الفلسفة ظل واضحا في كتاباته ، حيث لم تتوقف قراءاته الفلسفية وإن قلت بعض الشيء .
وقد سئل عن أثر دراسة الفلسفة في كتاباته فأجاب : " إن الفلسفة دخلت في أكثر من عمل من أعمالي ، والفلسفة تؤثر في الأعمال الأدبية بصور مختلفة ، فهناك شخصيات متفلسفة أو متأثرة في سلوكها وأحاديثها بالأفكار الفلسفية ، وهي كثيرة في رواياتي (انظر المرجع السابق ) وكذلك كان للعلم أثره في تفكيره ، وفي نظرته للأشياء ، كما كان له دور بارز في كتاباته الأدبية ، وفي رواياته بصفة خاصة ، كما سيتضح مما ستعرضه فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وإذا كان نجيب محفوظ قد تأثر بعوامل متعددة كان لها دور في تكوين شخصيته وتشكيل عامله الثقافي ، فقد كان لبيئته كذلك أثرها في تكوينه ، لأن الأديب ابن البيئة ، وامتداد لما فيها من أماكن ومعالم . "ولهذا انعكست قاهرة المعز بكل تفاصيلها ودقائقها في أدب نجيب محفوظ ، فهو يحتفي ويحتفل في أدبه بعاداتها وتقاليدها وموروثاتها الاجتماعية " (انظر اعترافات نجيب محفوظ. محمود فوزي ص 14 دار الشباب العربي القاهرة )

لقد تعلق نجيب محفوظ بالقاهرة ،وبدا تعلقه بها وتأثرها بما فيها في كتاباته بصفة عامة ، وفي رواياته بصفة خاصة ، ولذلك ظهرت القاهرة بأحيائها الشعبية المختلفة في هذه الروايات ، بل وجدنا هذه الأحياء عناوين لبعض رواياته مثل : السكرية ، بين القصرين ، قصر الشوق ، خان الخليلي ، روض الفرج . كما نجد في رواياته وقصصه : مصر القديمة ، القاهرة الجديدة ، ثرثرة فوق النيل ، الحب فوق هضبة الهرم ، وغير ذلك من القصص والروايات التي نجد فيها صدى ارتباط الكاتب ببيئته .
وقد مر نجيب محفوظ في حياته الأدبية بمراحل ثلاث ، حيث بدأ بالمرحلة التاريخية ، فكتب
" عبث الأقدار عام 1939م ، و" رادوبيس " عام 1943م و" كفاح طيبة " عام 1944م ثم انتقل إلى المرحلة الواقعية ، حيث كتب " القاهرة الجديدة " عام 1945م وخان الخليلي عام 1946م و" زقاق المدق " عام 1947 م و" السراب " عام 1948م و " بداية ونهاية 1949م . ثم كانت ثلاثياته : بين القصرين ، وقصر الشوق ، والسكرية عام 1957 م ثم كانت المرحلة الفلسفية التي كتب خلالها "أولاد حارتنا" 1959م " واللص والكلاب " 1961م و "السمان والخريف" عام 1962م و "الطريق" 1964 وغير ذلك من الروايات .

وقد فاز الأديب الكبير بجائزة نوبل عام 1988م

كما حصل على الكثير من الجوائز والأوسمة قبل هذه الجائزة ، ففاز بجائزة قوت القلوب الدمرداشية عن رواية "روادوبيس" عام 1943م وفاز بجائزة المعارف عن رواية " كفاح طيبة" عام 1944م وفاز بجائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلي" عام 1946م وفاز بجائزة الدولة التشجيعية في الأدب عن رواية " قصر الشوق " عام 1957م وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1962م وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1970م وحصل على جائزة رابطة التضامن الفرنسية العربية عن "الثلاثية" ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا عام 1984م وحصل على قلادة النيل عام 1988 ، ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة عام 1989م (انظر حول الدين والديمقراطية . نجيب محفوظ ص 244 الدار المصرية النباتية 1990)

وأعمال نجيب محفوظ الأدبية كثيرة ومتعددة ، فقد كتب أكثر من ثلاثين رواية وسبع مسرحيات ، وأربع عشرة مجموعة قصصية قصيرة ، كما قام بالعديد من الترجمات ، وكتب للأطفال ، وله مجموعة مقالات ، وترجمت أغلب أعماله إلى اللغات المختلفة من إنجليزية وفرنسية وألمانية وصينية وسويدية .
وعلى ذلك نجد الكاتب الكبير قد فرض نفسه على الساحات الأدبية بما أنتجه من أعمال ، وما أبدعه من قصصه التي انتشرت وذاعت .
ومن ثم كان لزاما أن تكون وجهات النظر حوله وحول إبداعه الأبي ونتاجه الفكري مختلفة ومتباينة ، ونظرا للآراء والأفكار المتعددة التي طرحها في كتاباته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadat2010.9f.com
منار الشحات
عضو سوبر
عضو سوبر
منار الشحات


نقاط العضو : 329588
تقييم العضو ( هام جدا ) : 36106
العمر : 30
الموقع : sadat2010.9f.com

نقد أدبى لـ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نقد أدبى لـ   نقد أدبى لـ Icon_minitime1الأحد يونيو 06, 2010 12:03 am

الفصل الأول : مضمون الرواية
.

تبدأ الرواية بمقدمة يقول فيها الكاتب "هذه حكاية حارتنا ، أو حكايات حارتنا ، وهو الأصدق ، لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته ، ولكنى سجلتها جميعا كما يرويها الرواة ، وما أكثرهم ، جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكاية ، يرويها كل كما يسمعها في قهوة حية ، أو كما نقلت إليه من خلال الأجيال ، ولا سند لي فيما كتبت إلا هذه المصادر " (انظر أولاد حارتنا ص 5 دار الآداب . بيروت . الطبعة الخامسة 1986)
ثم تحدث عن البيت الكبير على رأس الحارة من ناصيتها المتصلة بالصحراء ، وقال على لسان أحد ساكنيها في حسرة " هذا بيت جدنا ، جميعنا من صلبه ، ونحن مستحقو أوقافه ، فلماذا نجوع وكيف نضام ؟" (نفس المرجع )
ويجعل هذا الجد لغزا ، يحير العقول ، ولا يستطيع أحد أن يجزم في حقيقته بكلام مؤكد موثوق منه : " وهذا جدنا لغز من الألغاز ، عمر فوق ما يطمع إنسان أو يتصور ، حتى ضرب المثل بطول عمره ، واعتزل في بيته الكبير منذ عهد بعيد ، فلم يره منذ اعتزاله أحد" (انظر المرجع السابق )
ويتحدث عن الروايات المختلفة في شأن هذا الجد " الجبلاوي " فيقول: "سمعت مرة رجلا يتحدث عنه فيقول : هو أصل حارتنا ، وحارتنا أصل مصر أم الدنيا ، عاش فيها وحده ، هي خلاء خراب ، ثم امتلكها بقوة ساعده ومنزلته عند الوالي ، كان رجلا لا يجود الزمان بمثله ، وفتوة تهاب الوحوش ذكره ، وسمعت آخر يقول عنه : كان فتوة حقا ، ولكنه لم يكن كالفتوات الآخرين ، فلم يفرض على أحد إتاوة ، ولم يستكبر في الأرض ، وكان بالضعفاء رحيما ، ثم جاء زمان فتناولته قلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته ، وهكذا حال الدنيا " (ص 6)

ثم يقول على لسان أحد ساكني الحارة " أليس من المحزن أن يكون لنا جد مثل هذا الجد دون أن نراه أو يرانا ؟ أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق ، وأن نعيش نحن في التراب ؟ وإذا تساءلت عما صار به وبنا إلى هذا الحال سمعت من فورك القصص ، وترددت على أذنيك أسماء أدهم وجبل ورفاعة وقاسم ، ولن تظفر بما يبل الصدور أو يريح العقل " (انظر ص 6)
ثم ذكر أنه شهد العهد الأخير من حياة تلك الحارة ، وعاصر الأحداث التي دفع بها إلى الوجود " عرفة " ابن الحارة البار ، وأن أحد أصحاب عرفة يرجع إليه الفضل في تسجيل حكايات الحارة على يد الكاتب ، فقام بتنفيذ اقتراحه . (انظر ص 7)

أدهم
يذكر الكاتب أن مكان الحارة " كان خلاء ، فهو امتداد لصحراء المقطم الذي يربض في الأفق ، ولم يكن بالخلاء من قائم إلا البيت الكبير الذي شيده الجبلاوي ، كأنما ليتحدى به الخوف والوحشة وقطاع الطريق " (انظر ص 11)
وبعد وصف البيت وذكر حدوده ، انتقل إلى الأحداث التي دارت داخله : "ويوما دعا الواقف أبناءه إلى مجلسه بالبهو التحتاني المتصل بسلالم الحديقة ، وجاء الأبناء جميعا ، إدريس وعبا س ورضوان وجليل وأدهم ، في جلابيبهم الحريرية ، فوقفوا بين يديه ، وهم من إجلاله لا يكادون ينظرون نحوه إلا خلسة " (انظر ص 11)
ويذكر أن صاحب البيت " يبدو بطوله وعرضه خلقا فوق الآدميين ، كأنما هبط من كوكب آخر " كما أنه " جبار في البيت كما هو جبار في الخلاء ، وأنهم حياله لا شيء" (انظر ص 11)
ثم تدور الأحداث ، حيث " التفت الرجل نحوهم دون أن يبرح مكانه ، وقال بصوت خشن عميق ، تردد بقوة في أنحاء البهو الذي توارت جدرانه العالية وراء ستائر وطنافس : أرى من المستحسن أن يقوم غيري بإدارة الوقف .
وتفحص وجوههم مرة أخرى ، ولكن لم تنم وجوههم على شيء ، لم تكن إدارة الوقف مما يغري قوما استحبوا الفراغ والدعة وعربدة الشباب ، وفضلا عن هذا فإن إدريس الأخ الأكبر هو المرشح الطبيعي للمنصب " (ص 12) لكن كان اختيار الجبلاوي مخالفا لما كان منتظرا وطبيعيا ، فقد استطرد قائلا : قد وقع اختياري على أخيكم أدهم ليدير الوقف تحت إشرافي (ص 5)
وكان ذلك وقع الدهشة في نفوسهم ، والغضب في باطن إدريس الذي قال بإصرار : ولكنني الأخر الأكبر .
فقال الجبلاوي مستاء : أظن أنني أعلم ذلك ، فأنا الذي أنجبتك .
فقال إدريس وحرارة الغضب آخذة في الارتفاع : للأخ الأكبر حقوق لا تهضم إلا لسبب.
فحدجه الرجل بنظرة طويلة كأنما يمنحه فرصة طيبة لتدبر أمره ، وقال : أؤكد لكم أني راعيت في اختياري مصلحة الجميع .
لكن غضب إدريس لا ينتهي فاندفع يقول بغير ضابط : إني وأشقائي أبناء هانم ، من خيرة النساء ، أما هذا فابن جارية سوداء .
وبعد أخذ ورد بين الجبلاوي وإدريس أراد الجبلاوي أن يبين الحكمة في هذا الاختيار فقال : آدهم على دراية بطباع المستأجرين ، ويعرف أكثرهم بأسمائهم ، ثم إنه على علم بالكتابة والحساب " (انظر ص 13-14)
وظل إدريس على غضبه والجبلاوي على إصراره ، بينما رضخ بقية الأبناء لأمره ، مما جعل إدريس يتهمهم بالجبن ، وظل على عناده ورفضه لاختيار الجبلاوي ، وبلغ به الغضب حد الجنون ، حتى قال له الجبلاوي :
اغرب بعيدا عن وجهي .
- هذا بيتي فيه أمي وهي سيدته دون منازع .
- لن ترى فيه بعد اليوم وإلى الأبد " (ص 15)
وبعد حوار غاضب بين الجبلاوي وإدريس ، تم طرد إدريس من البيت الكبير .
وبدأ أدهم يهتم بشؤون الوقف " ويعمل بهمة في تحصيل أجور الأحكار ، وتوزيع أنصبة المستحقين وتقديم الحساب إلى أبيه ، وأبدى في معاملة المستأجرين لباقة وسياسة ، فرضوا عنه ، وعلى رغم ما عرف عنهم من مشاكسة وفظاظة ، وكانت شروط الوقف سرا لا يدري بها أحد سوى الأب ، فبعث اختيار أدهم للإدارة الخوف أن يكون هذا مقدمة لإثاره في الوصية ، والحق أنه يبد من الأب قبل ذلك اليوم ما ينم عن التحيز في معاملته لأبنائه " (ص 2)
ومرت الأيام بأدهم وهو يعمل جادا ، إلى أن كان يوم يسير فيه أدهم في حديقة القصر " ووقف ينظر إلى ظله الملقى على الممشى بين الورود ، فإذا بظل جديد يمتد من ظله واشيا بقدوم شخص من المنعطف خلفه ، بدا الظل الجديد كأنما يخرج من موضع ضلوعه ، والتفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهي تهم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده ، فأشار بالوقوف فوقفت ، وتفحصها مليا ، ثم سألها برقة :
-من أنت ؟
فأجابت بصوت ملعثم: أميمة " (ص 19)
وذات يوم يمر بالبيت إدريس ، ويمطر الجبلاوي وأهل البيت بلعناته ، ويظل الأخوة كل منهم في شأنه ، حتى تزوج أدهم من أميمة ، ووجد معها سعادة لم يعرفها من قبل .
وفي يوم من الأيام يأتي إدريس إلى أدهم أثناء إدارته للوقف واستقباله مستأجري الأحكار ، وطلب من أدهم أن يسدي إليه معروفا ، وسأله أدهم عن حاجته " فربت إدريس كتف أدهم بامتنان وقال :
- أريد أن أعرف هل حرمني أبي حقي في الميراث ؟
- كيف لي بمعرفة هذا ؟ ولكن إن سألتني عن رأي . فقاطعه إدريس قلقا :
- إني لا أسألك عن رأيك ، ولكن عن رأي أبيك .
- إنه كما تعلم لا يصارح أحدا بما يدور في رأسه .
- ولكنه دور شك قد سجله في حجة الوقف .
فهز أدهم رأسه دون أن ينبس ، فعاد إدريس يقول :
- كل شيء في الحجة .
- لا علم لي بها ، وأنت تعلم أن أحدا في بيتنا لا يدري عنها شيئا وعملي في الإدارة يسير تحت إشراف أبي الكامل " (ص 38)

وظل إدريس يلح على أدهم ويغريه مظهرا له كثيرا من التلطف والمودة إلى جانب إشعاره بما يعانيه من شقاء وتعاسة ، ولكن أدهم لا يبدي موافقته وتستنكر هذا الأمر لعلمه أن أباه قد حرم على الجميع دخول الحجرة التي أودع فيها تلك الحجة ، وعندما يخبر أميمة بما دار بينه وبين إدريس ، إذا بها تحرضه على أن يطلع على الحجة ، حتى انقاد أدهم لذلك ، وتسلل إلى الحجرة في خوف ، ودخلها ، وفتح الصندوق الذي يداخله الحجة ، وفتحها ، ولكن ما لبث أن رأى الجبلاوي أمامه ، حيث فاجأه في تلك اللحظة ، فتجمد أدهم في مكانه " وتخلت عنه قوى الكلام والحركة والتفكير ، وأمره الجبلاوي قائلا :
- اخرج
- لكن أدهم لم يستطع حراكا ، بقي في موقفه كالجماد ، إلا أن الجماد لا يشعر بالقنوط ، وهتف الأب : اخرج . أيقظه الرعب من تجمده فتحرك ، وتخلى الأب عن الباب ، فغادر أدهم الخلوة والشمعة ما تزال تحترق في يده ، ورأى أميمة واقفة وسط الحجرة صامتة ، والدمع ينحدر تباعا من مقلتيها " (ص 47)
وعلم الجبلاوي من أدهم أن إدريس هو الذي دفعه إلى هذا العمل المحرم ، وأن أميمة كانت تحرضه على معاونة إدريس في الاطلاع على الحجة ، ولكن الجبلاوي أمر أدهم وأميمة بمغادرة البيت ، وبمجرد أن خرجا وجدا إدريس يدوي ضحكة ساخرة مخمورة شامتا في أدهم ، الذي أدرك خبث حيلته وسوء طويته ، ويقيم أدهم وأميمة في كوخ بنياه عند الطرف الغربي للبيت الكبير ، وأخذ أدهم يسعى في سبيل رزقه ويعمل بياعا للبطاطا ، يدفع العربة أماه ليل نهار .
ورزق أدهم بذكرين ، وأسماهما قدري وهمام ، وكبر الولدان وراحا يرعيان أغنامهما ، ويتجاذبان أطراف الحديث ، فكان قدري يتحدث عن جده الجبلاوي دون احترام أو توقير ، ولكن رأى همام في جده كان مختلفا (ص 54-72)
وذات يوم رأى قدري فتاة جميلة تتجه نحوهما ، إنها هند ابنة عمه إدريس التي تعلق بها ، وأحبها ، فأخذها قدري وتنحى بها جانبا ، وانشغل عنهما همام بغنمه ، وظل يحدث نفسه عن تلك العداوة والكراهة الشديدة بين الأخوين : أدهم وإدريس (ص 72-82)
وبينما أسرة أدهم جالسة أما الكوخ تتناول عشاءها ، إذا بعم كريم بواب البيت الكبير يبلغهم أن سيده الكبير يدعوهما لمقابلته فورا ، وأحس قدري تحيز جده وتمييزه هماما ، فثار وغضب ، لكن أدهم يأمر هماما بأن يذهب إلى البيت الكبير ، فيفعل ، ويلتقي بالجبلاوي الذي يتيح له الفرصة بالعيش في البيت الكبير ، والزواج فيه ، ولكن قدري يغضب لإيثار همام بذلك ، وتحدث مشادة حامية بينهما تنتهي بمقتل همام ويعود قدري إلى الكوخ دون أخيه ، حيث يتركه في الخلاء دون أن يدفنه ، وحرزن أدهم لذلك حزنا شديدا ، ويخرج مع قدري ليبحثا عن جثة همام ، ثم يقومان بدفنه في إحدى المقابر ، بينما يشمت إدريس في مصاب أدهم (ص 82-108)
وذات ليلة التقى أدهم بالجبلاوي الذي أخيره بعفوه عنه ، بعد أن كان اليأس يملؤه ، ولكن بكاءه وندمه كانا السبب في هذا العفو الذي سعد به أدهم ، كما أخبره الجبلاوي بأن الوقف سيكون لذريته ، وما لبث أن مات أدهم وأميمة وإدريس . (ص 108-112)

جبل
مات أبناء الجبلاوي مبكرين ، ولم يبق من سلالتهم ، إلا الأفندي ناظر الوقف في ذلك الوقت ، وامتلأت الحارة بالزحام والضجيج ، وظهر الفتوات ، حيث كان زقلط أحدهم ، فاتخذه ناظر الوقف منفذا لأوامره ، وعاش الناظر فوق الجميع ، أما الأهلي فتحت الأقدام ، وإذا عجز مسكين عن أداء الإتاوة انتقم منه فتوة الحي شر انتقام ، ونفد صبر آل حمدان ، الذين يقيمون في الحي بحياتهم البائسة برغم كونهم من نسل الجبلاوي ، فقد كانوا يطمعون في الوقف ، وكان الناظر قد أضاع عليهم حقهم فيه . (ص 115-127)
وفي بيت الأفندي تربي "جبل" الذي لم يعرف من الدنيا إلا هذا البيت بالرغم من أنه من آل حمدان ، لكن " هدى" زوجة الأفندي تبنته ، ومال قلبها إليه ، بعد أن حرمها العقم من نعمة الأمومة ، ولما بلغ جبل رشده ولاه الأفندي إدارة الوقف ، وعاش جبل في صراع بين وفائه لمن تنبته ، وعدم تنكره لأصله من الحمدانيين .

وكان جبل غير راض عن الظلم الواقع في الحارة ، وذات يوم يرى "قدرة" أحد فتوات الحي يضرب "دعبس " فاستغاث بجبل ، الذي ركل "قدرة" فألقاه جانبا ، وظل يضربه حتى أغمي عليه ، وفوجئ جبل بأن قدرة قد مات ، فندم جبل ندما شديدا على ذلك (ص127-140)
وبدأ الفتوات يتساءلون عن سر اختفاء قدرة ، وسرت شائعة بأن آل حمدان هم الذين قتلوه ، وأراد زقلط أن يعاقب آل حمدان ، حتى لا يضيع هيبته الفتوات ، وأخذ جبل يدافع عن أهل الحي ، فغضب الأفندي لذلك ، وانتهى الموقف بخروج جبل واختفائه ، وعاد إلى آل حمدان .(ص 140-148)
ورأى جبل مشاجرة بين "دعبس " و"كعبلها " حيث راح دعبس يكيل له الضربات ، فغضب جبل وانقض عليه وقبض على عنقه ، فقال له دعبس "أتريد أن تقتلني كما قتلت قدرة ؟ فدفعه جبل بقوة فارتمى في ناحية ، وتركه جبل وهرب في هدأة الليل (ص 151-153) وخرج في طرقه فجذب سمعه ضوضاء اشتدت حول كشك حنفية ماء عمومية ، ورأى تزاحم الناس لملء أوعيتهم ، وندت صرخات من فتاتين غرقتا في لجة الزحام ، فملأ لهما صفيحتهما ، وجاء أبوهما ، " المعلم البلقيطي الحاوي" عندما تأخرتا ، فعلم ما كان من شهامة جبل معهما ، وعرف البلقيطي قصة جبل ، فأخذه إلى بيته ، وهيأ له عملا معه في ترويض الثعابين ، وزوجه ابنته شفيقة ، واستطاع جبل أن يبرع في ترويض الثعابين والحيات (ص154-171)
ويعود جبل إلى حي آل حمدان خفية ، ويتشاور مع أهل الحي في كيفية الوقوف في مواجهة الفتوات .

وذات ليلة كان جبل قد رغب في المشي منفردا فبدا له شخص ليس كمثله أحد ي الحارة أو الناس جميعا ، وفزع جبل وامتلأ رهبة ، لكن هذا الشخص قال له : "لا تخف أنا جدك الجبلاوي " فطلب جبل أن يراه فقال الجبلاوي " لكنك لن تراني في الظلام ، ثم أخبر جبلا أن النجاح سيكون حليفه . (ص 176-178)
ويعلم الأفندي وزوجه بعودة جبل ، وأنه جاء مطالبا بحقوق آل حمدان ، فيضيق الأفندي بذلك ويتوقع آل حمدان شرا ، ولكن تجري أحداث غريبة في الحارة ، حيث تنتشر الثعابين ، فيتطوع جبل لا ستخراجها ، مستعينا بما اكتسبه من البلقيطي ، لكن نشاط الثعابين لم يتوقف ، فقد ظهر ثعبان ضخم في بيت الناظر ، وأمرت الهانم بدعوة جبل الذي يشترط كلمة شرف باحترام آل حمدان في كرامتهم وحقهم في الوقف ، فرضخ الأفندي ، واستطاع جبل تطهير الحارة من الثعابين ، ولكن الناظر يقرر الخلاص من آل حمدان ، بينما يحاول جبل وأهله أن يحتالوا على الفتوات ، حيث صنعوا لهم كمينا في بيت حمدان ، كما اتفقوا على ترك الباب مفتوحا ، وحفروا في مدخل الدار حفرة عميقة ، بمجرد أن دخل منها الفتوات سقطوا فيها ، وكان الفتوة حمودة أول الهالكين ، وراح الفتوات يصرخون ، لكن ، آل حمدان ظلوا يضربونهم بالنبابيت ، وهم يرددون في الحفرة نظرات ذاهلة ، ويقولون : هذه عاقبة الظالمين . (ص 182-196)
وذهب جبل وأهله إلى بيت الأفندي الذي رجاه أن يقوم بالصلح بين الجميع وأن يعيد لآل حمدان حقوقهم في سبيل عفو جبل عنه . (ص197-201)
وقد حدثت مشادة بين " دعبس " و"كعبلها " فضرب دعبس صاحبه في عينه اليمنى فصفاها ، فكان قرار جبل أنه " عين بعين والبادي أظلم " وأمر كعبلها أن يفقأ عين دعبس على مرأى من الجميع . (ص207-208)

رفاعة

بعد عشرين سنة من العبد عن الحارة ، عاد شافعي ومعه امرأته " عبدة " على أمل أن يعيشا في سلام ، وعلى رجاء أن يخرج الجبلاوي من عزلته ، وإن بقي الشر في الحارة متمثلا في الفتوات "زنفل" ومن بعده " خنفس " وظل فيها ناظر الوقف "إيهاب" (ص 213-217)
ونشأ رفاعة ابن شافعي في الحارة ، وهام بسماع أخبار الجبلاوي وأدهم وجبل ، وقد التقى يوما بعم جواد الشاعر الضرير الذي يتحسس رأسه وقسمات وجهه ويقول له : بديع ، بديع ، ما أشبهك بجدك ، وترد عبدة قائلة : لو رأيت جسده النحيل ما قلت ذلك ، فيقول الشاعر : حسبه ما أخذ ، إن الجبلاوي لا يتكرر (ص 219)

وترى " ياسمين " الفتاة الحسناء رفاعة فتعجب به ، وتحاول مغازلته وإغراءه ، وإن لم يلتفت لها .
وتتوثق صلة رفاعة بالشاعر جواد، وعندما يذهب إلى بيته يرى صورة غريبة فوق جدار الحجرة ، وتخبره امرأة جواد أنها صورة الجبلاوي ، وأن المبيض رسمه على مثال ما يرد من أوصافه في الحكايات . (ص 222-230)

ويحاول تعلم الزار من "أم بخاطرها " امرأة الشاعر لكي يطهر الحارة من الأشرار ، وتوافق بشرط موافقة أبيه على ذلك (ص 234)

ويغيب رفاعة ، ويظل والده يبحث عنه دون جدوى ، وينتشر في الحارة أمر اختفائه ، حتى مرضت عبدة من حزنها على غياب ولدها ، وكان شافعي يعمل في دكانه بعقل شارد وعينين محمرتين من الأرق ، وذات يوم يفاجأ الرجل بابنه قادما ، ويسأله عن سر غيابه ، لكنه لم يجب إلا بأنه ذهب إلى الخلاء لشعوره برغبة ي الوحدة والخلاء (ص 238-242)
وبينما رفاعة يتكلم مع أبيه يوما إذا يقرر أن يبوح بسره ، فقد كان يمر ليلة بمكان أسفل سور البيت الكبير فسمع صوتا غريبا ، كأنما يحدث نفسه في الظلام ، فدهمه شعور بأنه صوت الجبلاوي ، وحاول أن يتمكن من رؤيته لكنه لم ير إلا ظلاما ، ولكنه سأل جده أن يمد يده إليهم ، فأنكر الجد العجوز مطالبته بالعمل ، وطالبه بأن يقوم هو وأهله بدورهم ، فإنه لا يحب الأغبياء الذي لا يعرفون سر قوتهم . (ص246-248)
ويتناهى إلى القوم أن يا سمينة كانت في بيت الفتوة بيومي ، وقد رآها زيتونة تخرج ورائحة الخمر تفوح من فمها ، فقرر خنفس أن يفعل شيئا حتى لا تتعرض فتونته لحرج ، وتعالت الأصوات مطالبة بمعاقبة الفتاة ، بينما رأى رفاعة أن الأولى أن يعاقب بيومي ، وطالب أن يرحم القوم ضعف ياسمينة وذعرها ، ولكن الألسنة تقاذفته ، واتهمه القوم بالسفه والرقاعة ، فاقترح رفاعة أن يتزوجها ، وكان هذا حلا للأزمة (ص252-253)

وكان رفاعة مهتما بتخليص الناس من العفاريت ، فبرئ على يديه الكثير ، وإن اصطفى من مرضاه أربعة، هم زكي وحسين وعلى وكريم (ص 267-268)
وتخون ياسمين رفاعة حيث تذهب إلى بيومي ليلا ، وتشرب معه الجوزة ، وتسخر من زوجها الذي لا عمل له إلا تخليص الفقراء من العفاريت ، فهو مشغول عنها بعفاريت الناس ، ثم كان بينهما ما كان . (ص 270-274)

ويقلق الناظر إيهاب للأنباء التي ترامت باتصال رفاعة بالجبلاوي ، ويجمع فتواته ليروا في أمر رفاعة رأيا ، ويضرب الفتوة " بطيخة " رفاعة أما جمع من الناس ، الذين كادوا يفتكون بالفتوة ، لولا دعوة رفاعة إياهم بالتفرق ، وأرسل بيومي إلى رفاعة ، وطلب منه أن يقلع عن خداع الناس وعاد رفاعة إلى بيته ، لكن الفتوات تربصوا له خارج البيت فاتفق أصحابه على تدبير أمر هروبه من الحارة (ص 274-285)
وغادرت ياسمين الربع ، لكنها ذهبت إلى بيت بيومي ، وأخبرته بما كان من تدبير رفاعة وأصحابه ، فصمم بيومي على الخلاص منه ، وحين هاجم الفتوات دار رفاعة استطاع أصدقاؤه الهروب ، بينما قبضوا عليه وساقوه حيث قتلوه ، وحزن أصدقاؤه لمقتل رفاعة ، واتجهوا نحو موقع الجريمة ، وأخذوا يزيلون الرمال براحاتهم، لعلهم يجدونه حيا ، وإذا بهم يسمعون صوتا يقول : تمهلوا ، فهذا جسده فانخلعت قلوبهم وارتفعت أصواتهم بالبكاء واستطاعوا أن يخرجوا الجثة من الرمال ، وحملوها إلى قبره ، ووقفوا يزيلون دموعهم ، وعندما غادروا المقبرة ، كان النور يصبغ الآفاق بمثل ذوب الورد الأحمر. (ص 286-298)
وترك أصحاب الحارة على أمل أن يتحدوا موته بإحياء رسالته ، وأن ينزلوا العقاب بقاتليه ، وأخذ شافعي وأصحاب رفاعة يبحثون عن جثته ، فلم يعثروا علي شيء ، وتسلل الفتوات بالليل إلى المكان الذي قتل فيه وحفروا مدفنه ، ولكنهم لم يعثروا للجثة على أثر .

وذهب أهل ياسمين إلى بيت بيومي في غيبته ليقتلوها ، ففرت منهم ، وطلت تعدو في الحارة ، حتى انقطع نفسها ، وفجأة رأت نورا ضئيلا ينبعث من كوخ ، فسارت إليه لعلها تجد لها مأوى ، فإذا بها أمام أصدقاء عرفة الأربعة ، فتسمرت أقدامها ، لأنها رأت في أعينهم نظرات الغضب والانتقام ، وكانوا قد عملوا بخديعتها ، وأدركوا أن ياسمين هي التي وشت بهم وخانتهم فقتلوها ، وفي اليوم التالي وجدت جثة ياسمين ملقاة أمام باب بيومي ، وانتشر الخبر سريعا ، ودارى الناس مشاعرهم ، بينما اندفع بيومي كالثور الهائج يضرب بنبوته كل ما يصادفه ، حتى فر الجميع ، وفي اليوم نفسه هجر شافعي وعبدة الحارة ، ولم يعد هناك أي أثر لرفاعة ، وإن بقيت أشياء تذكر به دوما ن وخاصة أصحابه المخلصين الذين ساروا على نهج رفاعة .
وأخذ الناس ي الانتقام من الفتوات بعد موت رفاعة ، وانتصروا عليهم ، وعاد الذين كانوا قد فروا من الحارة في زمن الاضطهاد ، وبدأ عهد جديد ، يقوم على الاعتراف بالرفاعيين ، والولاء والتقديس لرفاعة ووالديه (ص298-305)

قاسم

لم يتغير شيء في الحارة ، الأقدام ما زالت عارية ، والذباب ما زال يلهو بين الزبالة والأعين ، والوجوه ما زالت ذابلة ، والثياب مرقعة ، والبيت الكبير كما هو ، وبيت الناظر إلى اليمين ، وبيت الفتوة إلى اليسار ، وهناك حي حبل وحي رفاعة ، ثم مقام من لا صفة لهم ولا نسب ، وهم الجرابيع ، وهم أتعس أهل الحارة ،وكان لك حي فتوته .
وينشأ قاسم يتيما عقب وفاة والديه ، فيكفله عمه ، زكريا ويحبه ، ثم يرزق زكريا بابنه حسن ، مما جعله يتفاءل بابن أخيه ، وكم تطلع قاسم إلى بيت الجبلاوي مفاخرا بجده ومقام جده .
يأخذ زكريا قاسما للعمل معه في بيع البطاطا ، ويلتقي بالمعلم يحي بائع المسابح والبخور الذي يتوسم فيه خيرا ويعطيه حجابا ليحفظه (ص309-314)
وبدأ قاسم في رعي الأغنام بعد ما كان يبيع البطاطا ، فكان المعلم يحي يمر به ، كما كان قاسم يزور معلمه ، ليسعد بأحاديثه ، حيث يسمع منه أخبار حارته ماضيها وحاضرها .
وكان قاسم يرعى نعجة للسيدة قمر ، وهي السيدة الوحيدة التي تملك مالا في حي الجرابيع ، وهي سيدة أربعينية في عمر والدته .
وكان قاسم يلتقي كثيرا بحسن ابن عمه ، وكذلك صديقه "صادق" الذي كان مقاربا لقاسم في سنه وطوله ، ولكنه أنحل منه عودا ، ثم يمضي الثلاثة إلى قهوة دنجل ليشربوا الجوزة ، حيث كان قاسم مغرما بها وبالشاي المنعنع . (ص317-223)

وتقع في الحارة حادثة سرقة لنجار يدعى "فنجري " فيتهم كل فتوة الحي الآخر ، وتكاد تحدث فتنة بين الأحياء ، ولم يستطع أحد إخماد هذه الفتنة ، إلا بعدما اقترح قاسم أن ينتظروا حتى يطبق الظلام ويستحكم ، ولا يوقدوا في الحارة شمعة واحدة ، كيلا تنحصر الشبهة في حي معين ، وحينئذ سيجد حائز النقود فرصة للتخلص منها في الظلام دون أن يفتضح أمره ، وبالفعل وجدوا محفظة فنجري ،ووجد قاسم نفسه محط الأنظار ، ومحور التعليقات ، وعلا مركزه في الحارة . (ص 324-330)
وذات يوم تفاتحه سكينة خادمة قمر في أمر زواجه ، فيجيبها متسائلا : ومن ذا الذي يرضى براعي غنم ؟ فتقترح عليه أن يخطب سيدتها قمر (ص 332-333)

واتفق قاسم مع عمه علي أن يخطب له قمر الأرمل التي رفضت قبله كثيرا من الأغنياء والفتوات ، فكلما عمها "عويس " الذي وافق مضطرا أما إصرار قمر ، وكان العرس ودارت أقداح البوظة وعشرون جوزة ، حتى غامت الكلوبات بالدخان ، وسطعت رائحة الحشيش المفتخر ، وكان صادق يقدم لقاسم قداح الشراب والجوزة ، كما أفرط حسن في الشراب ، ثم ذهبوا إلى قهوة دنجل ، حيث دارت الجوزة مرة أخرى ، وقدم كل موسر جوزة لقاسم على حسابه وتعالى الآهات من الأفواه المخمورة المخدرة ، ودخل قاسم بقمر وجسده ينفث حرارة ممزوجة بسطول .( ص334-341)

وتولى قاسم إدارة أموال قمر ، وعالج الأمور بخير ما يمكن أن تعالج به , واكتسب ثقة عويس عم قمر ، وكان قاسم كثيرا ما يذهب مع صادق وحسن إلى قهوة دنجل ليشرب الجوزة ، أو إلى الحانة ليشرب البوظة ، كما يحب الاستماع إلى الشاعر وهو يحكي حكاية أدهم وهمام وقدري . (ص 342-344)
وحملت قمر ، واستخفها الفرح لذلك ، وامتلأ قلب قاسم بالغبطة وشاع الخبر ، ثم استقبل بيت قاسم حياة جديدة ، فرزق بإحسان ، وألف البيت ألوانا جديدة من البكاء والقذارة والأرق ، ولكنه ازداد غبطة ورضى .
ولاحظت قمر شرود قاسم كثيرا ، وهبت ليلة من نومها فلم تجده في الفراش ، وقلقت لتأخره ، وأرسلت إلى عمه الذي خرج ومعه حسن وصادق للبحث عنه ، إلى أن وجده نائما عند المعلم يحي الذي أخبرهم أن بعض الجيران وجده مغمى عليه ، فحملوه إلى بيت الرجل .
وعاد قاسم إلى بيته وأخبر السيدة قمر بما حدث له ند صخرة هند ، حين كان وحده في الخلاء ، حيث سمع صوتا يناديه ، ورأى شبح رجل واقف ، ولكنه لم يتبين وجهه ، فقال له : أنا قنديل خادم الجبلاوي ، وأخبره أن جده بخير ، وأنه يعلم كل شيء عن الحارة وأنه ربما اختاره لحكمته يوم السرقة ، ولأمانته في بيته .

وعلمت قمر صدق ما يقول ، لأنه لم يكذب قط ، كما أنه أمين ، لم يطمع في مالها ، ولكنها حاولت أن تتأكد من أن ذلك لم يكن حلما ، فأكد لها أنه وقع ملموس ، فصدقته فيما قال وشعرت أن أيام الراحة ربما تكون ولت . (ص 345-355)
وعلم عمه بالأمر وكذلك عويس عم قمر ، وحسن ابن عمه ، وصادق الذي صدقه، وقال : أتحدى أي مخلوق أن يذكرنا بكذبة صدرت عنه ، فهو عندي مصدق ، وأقسم لكم على ذلك بتربة أمي ، وكذلك قال حسن ، لكن عمه خشي عليه من هذا الأمر ، حذره عويس من مغبة ما يقول ، لكن قاسما أصر وذكر أنه لا يروم مساومة ولا نصيبا في الربع ، وأنه قد اختار سبيله ، وحاول زكريا أن يذكره بما يحظى به من ثراء وفير من مال زوجته ، وأن يقلع عما في رأسه ، فقال قاسم في تصميم عجيب ، لن أقلع عما في رأسي ولو ملكت الوقف كله وحديث . (ص 355-361)

وتحدث مواجهة بين قاسم والناظر الذي استدعاه إلى بيته ، وسأله عن السبب في رفعه دعوى عليه ، فذكر أنها شروط الوقف ، ولكن الناظر اتهمه بالجنون ،وبالطمع في الوقف )
وعندما عاد قاسم إلى البيت وجد به زكريا وعويس وحسن وصادق وغيرهم ، وحاول بعضهم أن يجعله يعيد النظر في أمره ، لكنه صمم على ما هو عليه قائلا : لن أتخلى عن هذا الأمر مهما تكن العواقب . ولن أكون دون جبل أو رفاعة برا بجدي وأهل حارتنا . (ص 375-382)
ووجد قاسم نفسه حبيس بيته ، لا يزوره أحد سوى ابن عمه حسن وشاع خبره في الحارة كلها ، وتطايرت التهم والسخريات ، ورماه آل جبل ورفاعة بالكذب والجنون ، مع أنهم كانوا أولى الناس بتصديقه ورأى قاسم الفتوة سوارس يقبض علي عنق أحد الضعفاء من أبناء الحارة فتصدى له ، لكن سوارس خطف مقطف التراب من فوق رأس امرأة عابرة وألبسه رأس قاسم . وانتهت الموجة بترضية الحاضرين لسوارس ، وإبداء أسفهم لما حدث لقاسم .
ومات الرجل الذي كان يضربه سوارس ، واتهم بعض الناس سوارس وأرجع بعضهم سبب قتله أو موته لما فعله قاسم .
واجتمع قاسم وأصحابه يفكرون في الأمر ، واقترح قاسم أن يهجروا الحارة ، ويهاجروا كما هاجر جبل قديما (ص 383-388) وعجب أهل الحارة لاختفاء أصحاب قاسم ، وشاع خبر هجرتهم ، ومرضت قمر ، وعلمت الحارة بمرضها . ولازمها قاسم وهو في غاية الكآبة والحزن ، وظل بجانبها يرعاها ،ولكنها ماتت وتركته وحيدا ، ولازمه حزن شديد ، وكآبة مضاعفة .
وذات يوم أرسل صادق أخته بدرية بنت الثانية عشر ، لكي تحذر قاسما من فتوات الحارة الذين تآمروا عليه قتله ، وتطلب منه مغادرة الحارة فورا ، وأدرك قاسم أن الفتوات يريدون أن يتخلصوا منه ، فأمر سكينة خادمته أن تأخذ إحسان ابنته ، وتهرب بها خارج الحي . (ص398-399)
واحتل القتلة السطح ، وأحكم الحصار ، ولكن قاسما استطاع أن يفر من الحارة ، وانطلق معه حسن ، ثم انضم إليهما صادق ، الذي تقدمهم في الطريق لخبرته به ، ووصلوا على الحارة الجديدة التي كانت مستيقظة تنتظر القادم إليها ، وانطلقت الحناجر بالأناشيد ، وانضم إليهم المهاجرون الذين سبقوا إلى هناك . (ص 403-406)
واقترح صادق على قاسم أن يتزوج ، ووافقته في ذلك سكينة التي أشارت على قاسم بالزواج من بدرية أخت صادق ، وتم الزواج فعلا . (ص 413-415)
وعلم قاسم وأصحابه بأن سوارس سيتزوج وستسير زفته الليلة ، ففكروا في الهجوم على الحارة ، وفعلا اتجهوا ناحيتها ، وخيل لقاسم أنه يرى شبح قنديل ، وتقدمت زفة سوارس ، وانقض قاسم وأصحابه على سوارس ورجاله ، وقتل سوارس ، و تخذل رجاله بعد علمهم بمقتله ، ففروا ، بينما تجمع رجال قاسم حوله وهم يلهثون ، وتم النصر لهم على أصحاب سوارس .(ص 416-420)
وبعد المعركة جلس قاسم مع بدرية يتناولان الطعام ،فناداها باسم "قمر " خطأ وحاول أن يستدرك ما وقع فيه ، فقالت وهي تلوى وجهها عنه : كانت طاعنة في السن ، ولا جمال لها ، فغضب قاسم وقال في عتاب وحزن شديدين : لا تذكريها بسوء، فمثلها لا ينبغي أن يذكر إلا بالرحمة ، فلاذت بدرية بالصمت .( ص420-421)

ثم جاءت قاسم أغنام الأعداء تساق إليه فهلل أصحابه وانضم إليه الكثيرون من الحارة . لكن أهل الحارة قرروا الانتقام وأحس قاسم بالخطر ودنا من حافة الجبل ، ونظر إلى بيت الجبلاوي فما أحوجهم إلى قوته الخارقة ، ووجد دافعا من أعماقه يدعوه إلى أن يصيح بأعلى صوته قائلا : يا جبلاوي كما يفعل أهل حارته في أحوال شتى .
وتشاور قاسم مع حسن وصادق في الأمر ، ولكن صوتا سمعوه وتلته صرخات تنذر بالهجوم عليهم ، وبدأت المعركة ، واشتد القتال وبعد عراك شديد انتهى القتال ، وفر فتوات الحارة ولكن بعد عناء ونصب وبعد أن سال الدم من أسنان قاسم وذقنه ، بينما قتل من أصحابه ثمانية ومن أعدائه عشرة غير فتوتهم لهيطة . (ص 424-432)
ويستدعي الناظر " جلطة وحجاج " فتوتي آ ل جبل وآل رفاعة واتفق الجميع على أن يكونوا يدا واحدة ، وأن يحاصروا قاسما وأصحابه فوق الجبل ، حتى يموتوا جوعا ، أو يضطروا إلى النزول فتخلصوا منهم ،ولكن أحد الأشخاص انقض على حجاج عند عودته فقتله ، وبدأت التهم تلقى بين حي جبل وحي رفاعة ، وتشابك رجلان من الحيين ، وانهمر الطوب من الجانبين ، وتواصل الاشتباك ، إذا بالجميع يفاجؤون بقاسم أما البيت الكبير ، يتقدم أما عصبة من رجاله ، ففاجأ أهل الحارة ، لكنه توقف فجأة وقال : لا نريد أذى لأحد ، لا غالب ولا مغلوب ، أبناء حارة واحدة ، وجد واحد والوقف للجميع .
ولكن جلطة صرخ بأنها مكيدة ، وانقض هو وأصحابه على قاسم ومن معه ، لكن المعركة انتهت بانتصار قاسم وأصحابه . (ص 433-440)

وسار قاسم وأصحابه إلى البيت الكبير الذي فر منه الناظر وأهله صار قاسم رجل الحارة دون منازع وتولى شئون النظارة ، وعاد الجرابيع إلى حيهم ، وبدأ عهد جديد يمتاز بالعدل والسلام ، وإن وجد من آل جبل وآل رفاعة من يضمرون غير ما يظهرون .
ولم يتغير من شأن قاسم شيء إلا أنه توسع في حياته الزوجية ، كأنما جرى فيها مجراه في تجديد الوقف وتنميته ، فعلى حبه بدرية تزوج حسناء من آل جبل ، وأخرى من آل رفاعة ، وتعشق امرأة من الجرابيع ، ثم تزوج منها ، وقال أناس في ذلك : إنه يبحث عن شيء افتقده مذ فقد زوجته الأولى قمر ، وقال عمه زكريا : إنه يريد أن يوثق أسبابه بأحياء الحارة جميعا . (ص441-443)

عرفة

خلف صادق قاسما بعد موته على النظارة فسار سيرته ، وإن رأى قوم أن " حسن " أولى منه بالنظارة لقرابته من قاسم . وبعد رحيل صادق سأل الدم في الحارة وقتل الناظر نفسه في إحدى المعارك وعادت إلى الحارة العصبيات القديمة ، ولم يعد جبل أو رفاعة أو قاسم إلا أسماء وأغاني ينشدها شعراء المقاهي المسطولون (ص 447-449)
وذات يوم رأت الحارة فتى غريبا قادما من ناحية الخلاء ، وتطلعت نحوه الأبصار فتبسم لهم مترددا وسأل هن بدروم خال للإيجار لقد كان عرفة الذي غاب عن الحارة طويلا ثم عاد إليها مع أخيه ومساعده "حنش" وأصبح محط الأنظار . واستدعاه الفتوة عجاج فذهب إليه وأخبره أنه ساحر ، وأعطاه مادة يتناولها قل " لا مؤاخذة" بساعتين وسيرضى عن صاحبها . (ص 449-454)
ويتردد الزبائن على عرفة ، ويفشوا أمره ، وترسل إليه الهانم امرأة الناظر التي تحلم أحلاما سيئة ، حي قل نومها ، فيرسل عرفة لها بالهدية . (ص 457-459)
وتكاثر زبائن عرفة لكنه لم يفرح بزبون كما فرح بعواطف بنت شكرون ، ويضق من نظرات السنطوري الفتوة لها ، ويذكر أنه يملك الأعاجيب في حجرته ، مع أنه ليس فتوة ، ولا من رجال الجبلاوي ، ولكنه يحوز قوة لم يحز عشرها جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين . (ص 465-471)
ويسأل عرفة عم شكرون المسن : هل رأيت الجبلاوي ؟ فيجيبه يا مغفل ألا تدري أنه اعتكف في بيته من قبل أيام جبل .
وبعد أيام يضرب السنطوري شكرون ، الذي ما يلبث أن يموت ولم يسر في جنازته إلا عواطف ابنته وعرفة ، ثم انضم إليها السنطوري بجرأة وقحة ، وبالتالي تسارع الجيران والمعارف الذين كان الخوف قد منعهم ، ولكن عواطف وجهت للفتوة تهمة قتل أبيها ، وحاول الرجل أن يتلطف معها ، وأشار عرفة عليها بأن تجعل الجنازة تسير بسلام ، إذا به يتلقى ضربات أتباع الفتوة ، ولم يتركوه إلا مطروحا على الأرض في ذهول .
وبعد أيام تزوج عرفة من عواطف وشهد الزواج عجاج فتوة آل رفاعة وغضب لذلك السنطوري فتوة آل قاسم , وكادت تنشب معركة بين الحيين ، لولا تدخل سعد الله فتوة الحارة .
ودار حوار ذات يوم بين عرفة وعواطف فقالت عن جبل ورفاعة وقاسم: أولئك كلفوا بالعمل من قبل جدنا الواقف ، فقال عرفة بضجر جدنا الواقف ؟ كل مغلوب على أمره يصيح كما صاح أبوك " يا جبلاوي " ولكن هل سمعت عن أحفاد مثلنا لا يرون جدهم ، وهم يعيشون حول بيته المغلق ؟ وهل سمعت عن واقف يعبث العابثون بوقفه على هذا النحو وهو لا يحرك ساكنا؟ فقالت : إنه الكبر ، فقال لم أسمع عن معمر عاش طول هذا العمر فقالت : ربك قادر على كل شيء فغمغم قائلا : كذلك السحر قادر على كل شيء . (ص 473-483)
وكان عرفة يحلم بالتسلل إلى البيت الكبير ومعرفة شروط الوقف العشرة ، فسار ذات ليلة تجاهه يتبعه أخوه حنش وشرعا في حفر الأرض تحت السور وفي اليوم التالي راح عرفة يزحف خلال الممر ، حتى صار داخل البيت الكبير ، وأخذ يزحف في حذر شديد ظل يتسلل حتى وصل مخدع الجبلاوي وأشعل شمعة فرأى عجوزا يجاهد للخروج من الغيبوبة الفاصلة بين النوم واليقظة ، فانقض عليه مطبقا يمناه على رقبته بكل قوته وساد الظلام بعدما انطفأت الشمعة وتحرك العجوز حركة همد بعدها ، وتراجع عرفة خائر القوى واتجه نحو الركن الذي ظن الكتاب به ، ثم تسلل خارجا وقد تملكه فزع شديد . (ص 486-494)
وجلجل صوت في السكون ،وإذا بأحد أهل الحارة يقول : مات الجبلاوي ، وحاول عرفة جاهدا أن يؤكد لحنش وعواطف أنه قتل العجوز لا الجبلاوي ، وتناقل الناس أن لصوصا سطوا على البيت الكبير وقتلوا خادم الجبلاوي ولما علم الجبلاوي بالخبر مات متأثرا بالخبر ، وتنازع آل جبلة وآل رفاعة وآل قاسم في مكان دفنه ، لكن الناظر قدري أعلن أنه سيدفن في المسجد المقام بالبيت الكبير . (ص 488-501)
وهرب عرفة من الحارة ، وكان قد استطاع تركيب مادة سحرية ظل يضعها مدة طويلة فذهب في طريقه فلقي الفتوة سعد الله فانقض عليه خلسة وقتله ، ولما طارده القوم وأحس أن أقدام المطاردين تقترب أخرجه الزجاجة التي بها المادة من جيبه وقذفها عليهم ، فدوى انفجار لم تعرفه أذن من قبل وكف الأقدام عن مطاردته. (ص504-506)
وطلب الناظر عرفة وسأله لما قتلت سعد الله ؟ وما الذي دفعه لاقتحام البيت الكبير ؟ وحاول عرفة أن يتنصل من التهمتين ، ولكنه أفضى بسره ، بعد أن اطمأن للناظر وعرف أنه لا يريد الزجاجة السحرية كما أنه يعرض عليه حمايته . (ص507-513)
وقد اختلف أهل الحارة فيمن يخلف سعد الله ليكون فتوة الحارة كلها . ودب الخلاف بين آل جبل وآل رفاعة وآل قاسم ، ولكن الناظر التقى بيوسف فتوة آل جبل وطلب منه أن يكون فتوة الحارة كلها مما أثار عليه حقد عجاج فتوة آل رفاعة والسن طوري فتوة آل قاسم ، الذين استطاعا القضاء على يوسف ، واتفق عجاج والسن طوري على إجراء قرعة انتهت بهزيمة السنطوري لكن أحد الرفاعية يقتله غدرا وتلاقى الحيان في معركة دامية ، وانتهى الأمر بفوز عجاج بالفتوة ، ولكن الناظر يعلن أنه لا يريد في الحارة فتوة ولا فتونة ، وأمر بالقوارير لتنهال من أيدي الخدم على عجاج وأعوانه ، فأجهز عليهم . (516-520)
وانتقل عرفة إلى بيت الفتوة على يمين البيت الكبير ، وقرر الاعتماد على سحره ، لكنه أدرك أن الناظر يريد سجنه في البيت حتى يظل في خدمته بسحره ،وأحس عرفة وعواطف وحنش بالملل واليأس .
ورأت عواطف عرفة في وضع مخل مع خادمة وكانت فضيحة وتركت عواطف البيت رافضة أن تعود إليه ، وعاش عرفة حياة السهرات والعربدة مع الناظر (520-530)
وذات ليلة اعترضه شبح لم يدر من أين أتى ، وأحس أنه رأى هذا الوجه من قبل على عتبة حجرة الجبلاوي ، وأخبرته صاحبته أنها جاءته تنفيذا لوصية الجبلاوي ، وأنه مات وهو راض عنه فلم يصدقها عرفة لكنها أقسمت على صدق ما تقول .
وفكر عرفة في الهرب ، حيث تسلل ومعه حنش في خفة وحذر ، وتوجها إلى حيث تعيش عواطف ليأخذاها معهما ، ولكن ما لبث أن قبض عليه أتباع الناظر ، وجاءوا به إلى الناظر الذي أمر بقتله هو وعواطف بعد أن هرب حنش ، وانتشر خبر مقتل عرفة وفرح الناس لمقتل قاتل الجبلاوي .
وعاد حنش يبحث عن الكراسة التي كان يضمنها عرفة سحره ، ولكن الناظر يبحث عنه دون جدوى ، وانتشرت الأخبار بأن حنش سيتم ما بدأه عرفة ، وتفاءل الناس في الخلاص من الناظر ، وأخذوا يكبرون ذكر عرفة عندما أدركوا ما كان ينشده من خير لهم ، وأخذ الناظر يحكم قبضته على الحارة ، بينما تشبث أهلها بالصبر أملا في الخلاص من هذا الظلم والطغيان . (ص 536-552)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadat2010.9f.com
منار الشحات
عضو سوبر
عضو سوبر
منار الشحات


نقاط العضو : 329588
تقييم العضو ( هام جدا ) : 36106
العمر : 30
الموقع : sadat2010.9f.com

نقد أدبى لـ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نقد أدبى لـ   نقد أدبى لـ Icon_minitime1الأحد يونيو 06, 2010 12:04 am


الفصل الثاني : رموز الرواية

الرواية كما هو واضح من أحداثها وشخصياتها ترمز إلى تطور الحياة البشرية منذ خلق الله عز وجل الإنسان ، ولذلك امتلأت بالرموز والإشارات ، فموضوعها ينبني على حياة الأنبياء والرسل ، بجانب الشخصية الأولى في الرواية ، وهي التي ترمز إلى ذات الله عز وجل .
ولن يكون حديثنا عن رمزية الشخصيات مجرد استنتاج مبني على ما سبق أن قيل ، ولكن سنحاول أن نصل إلى حقيقة هذه الأمور من خلال ما بثه الكاتب في الرواية ، ومن خلال الأدلة التي نستقيها من أحداث الرواية .
وهذه الشخصيات وما ترمز إليه من شخصيات حقيقية :
- الجبلاوي : أهم شخصيات الرواية ، فهو الشخصية الوحيدة التي ظلت موجودة طوال الرواية إلى أن مات حزنا على خادمه ، وهو يرمز إلى الذي العلية ، والدليل على ذلك ما أضفاه الكاتب على تلك الشخصية من أوصاف وصفات لا تكون إلا لله تعالى .
فالكاتب يذكر أنه عاش فيها (يقصد الحارة ) وحده وهي خلاء خراب (ص 5) وهو في هذا يشير إلى مثل قول الله عز وجل "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء " وفي العهد القديم : في البدء خلق الله السماوات والأرض ، وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه الله" (سفر التكوين : الإصحاح الأول 1-2) كما يقول الكاتب في وصف الجبلاوي كذلك : وهو يبدو بطوله وعرضه خلقا فوق الآدميين ، كأنما من كوكب هبط . (ص 11)وفي هذا إشارة إلى أن الله ليس كمثله شيء ، يقول الله عز وجل : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " (سورة الشورى آية 11) كما يقول الكاتب على لسان جبل في إشارة واضحة : ولكنه بدا لي شخصا ليس كمثله أحد في حارتنا ولا في الناس جميعا . (ص 176)وهي إشارة لا تحتاج إلى بيان أو توضيح .
وفي حديث جبل مع الأفندي ، حين ذهب إليه يطالب بحقوق آل حمدان في الوقف ، وفي الحياة الآمنة ، نجد الكاتب يودر على لسان جبل قوله : إنما رددت على مسامعك رغبة من لا ترد له رغبة ، وهو جدك الجبلاوي (ص 185) وفي هذا إشارة إلى قول الله عز وجل :" سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " (سورة مريم آية 35) وقوله تعالى : "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " (سورة يس آية 82) وفي حديث الكاتب عن قاسم حين دنا من حافة الجبل ، واستقر بصره على البيت الكبير ، بيت الجبلاوي ، الغارق في صمته ، كأنه لا يبالي بصراع الأبناء من أجله ، يقول بعد ذلك : ما أحوجهم إلى قوته الخارقة التي دانت لها البقاع في الزمن الخالي . (ص 426) ثم قوله كذلك بعدها : ووجد دافعا من أعماق قلبه يدعوه إلى أن يصيح بأعلى صوته قائلا : يا جبلاوي كما يفعل أهل حارتنا في أحوال شتى . (ص 426) . وهو في الأولى يشير إلى قدرة الله عز وجل . وفي الثانية إلى توجه الناس بالدعاء إلى الله تعالى ، يقول الله سبحانه "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما" (سورة يونس آية 12) ويقول سبحانه "وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه" (سورة الزمر آية Cool
وإلى جانب ما سبق فإن الجبلاوي بقي عبر هذا التاريخ الطويل والأجيال المتعاقبة ، وهذا لا يكون من شأن إنسان ، كما أنه كان معتزلا حياة الناس طوال هذا الزمن البعيد ، وكان مختفيا لا يراه أحد ، ولا يعلم الناس عنه شيئا إلا من خلال ما يروى ، ولا يلتقي به أحد وإنما يتصل بمن يريد من خلال وسطاء أو خدم ، وفي هذا رمز لوحي الله عز وجل لأنبيائه ورسله ، يقول الله تعالى :" وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم " سورة الشورى آية 51)

- أدهم : شخصية من الشخصيات الأساسية في الرواية ، والكاتب يرمز بهذه الشخصية لسيدنا آدم عليه السلام ، ويتضح التشابه في الاسمين والدليل على أنه يقصد آدم بهذه الشخصية ما ورد في الرواية من أن الجبلاوي أراد أن يقوم غيره بإدارة الوقف ، استطرد قائلا " وقد وقع اختياري على أخيكم أدهم ليدير الوقف تحت إشرافي . (ص 2) وهذا ما يشير إلى قول الله عز وجل : "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " (سورة البقرة آية 30) . وما ورد من أحداث بعد ذلك يؤكد ما نقول ، فعندما اعترض إدريس الأخ الأكبر لأدهم ، رد الجبلاوي قائلا : أؤكد لكم أني راعيت في اختياري مصلحة الجميع . (ص 13) وهو ينظر في ذلك إلى قول الله تعالى : "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" وفي الرواية أن رضوان رفع رأسه نحو أبيه وقال برقة باسمة : ونحن جميعا أبناؤك ومن حقنا أن نحزن إذا افتقدنا رضاك عنا ، والأمر لك على أي حال ، وغاية مرامنا أن نعرف السبب . وعدل الجبلاوي عن إدريس إلى رضوان ، مروضا غضبه لغية في نفسه فقال أدهم على دراية بطباع المستأجرين ، ويعرف أكثرهم بأسمائهم ، ثم إنه على علم بالكتابة والحساب . (ص 13) وهو في هذا يشير إلى قول الله عز وجل : " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين .قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " (سورة البقرة آية 31-33)


- إدريس : من الشخصيات الواردة في الرواية ويرمز به الكاتب لإبليس عليه لعنة الله ، والدليل على ذلك ما ورد في الرواية من اعتراض إدريس على اختيار الجبلاوي لأدهم لإدارة الوقف ، وقول إدريس للجبلاوي :" إني وأشقائي أبناء هانم من خيرة النساء ، أما هذا فابن جارية سوداء" (ص 13) وهذا إشارة إلى قول الله عز وجل على لسان إبليس : "قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " (سورة ص آية 71) وفي الحالتين نجد إبليس أو إدريس كليهما يرد الأمر ، بناء على تميز العنصر من وجهة نظره .
كما دل على ذلك الحديث عن إدريس بالكبر مما يناسب حقيقة إبليس المتكبرة ، فيقول الكاتب على لسان أدهم : وجميع اخوتي متزوجون عدا إدريس المتكبر . (ص 20) ويف القرآن الكريم : "إلا إبليس كان أبى واستكبر وكان من الكافرين" وكذلك "إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين" (سورة البقرة آية 34وص 74) وفي قول الجبلاوي لإدريس : لن ترى فيه (يقصد البيت ) بعد اليوم وإلى الأبد (ص 16) كما في قول الله عز وجل لإبليس :"قال فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين" (سورة ص آية 77-78)


- أميمة : إحدى شخصيات الرواية ، ويرمز بها الكاتب إلى حواء ، وبما قصد بالاسم أنها أم البشر والدليل على أنه قصد بها حواء ما يذكره في الرواية من قوله : ووقف أدهم ينظر إلى ظله الملقي على الممشى بين الورود فإذا بظل جديد يمتد من ظله واشيا بقدوم شخص من المنعطف خلفه . بدا الظل الجديد كأنما يخرج من موضع ضلوعه والتفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهي تهم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده. (ص 19) والكلام هنا واضح في إشارته إلى خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام والله عز وجل يقول "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء " (سورة النساء آية 1)
قال مجاهد : خلقت حواء من قصيرى آدم (انظر تفسير القرطبي 3/ 1572 والقصيرى : أسفل الأضلاع ) وفي الحديث " إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة . (رواه مسلم) وقد رود في العهد القديم : فأوقع الرب سباتا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما ، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم ، فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت . (سفر التكوين الإصحاح الثاني 21)


-عباس ورضوان وجليل : من شخصيات القصة الثانوية : وهي ترمز إلى بعض ملائكة الله عز وجل ، والدليل أنه يضفي عليهم صفات الملائكة كالسمع والطاعة ، فيورد على لسان عباس قوله للجبلاوي " سمعا وطاعة وسرعان ما قال جليل وهو يغض طرفه أمرك يا أبي وقال رضوان وهو يزدر ريقه الجاف : على العين والرأس " ( ص 14) وفي هذه إشارة إلى مثل قول الله عز وجل عن الملائكة "يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" (سورة النحل آية 50) وقوله سبحانه "بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلى لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون" (سورة الأنبياء آية 26-28)
وحديثه عنهم بأنهم لا ولد لهم ، حيث يقول على لسان الجبلاوي لأدهم : لعلك تنجب ذرية صالحة لقد ضاع إدريس وعباس وجليل عقيمان ورضوان لم يعش له ولد حتى اليوم ، وجميعهم لم يرثوا عني إلا كبريائي. (ص 26) والملائكة كما هو معلوم لا تتزاوج ولا تنجب .



- قدري وهمام : شخصيتان من شخصيات الرواية التي وردت في القسم الخاص بأدهم ، وهما ولداه ، ويرمز بهما إلى ولدي آدم عليه السلام : قابيل وهابيل وربما يكون الكاتب اختار الحرفين الأولين من الاسمين ، فقدري وقابيل يبدأن بحرف القاف ، وهمام وهابيل يبدأن بالهاء .
والدليل على أنه يقصد بهما قابيل وهابيل ما جاء في أحداث الرواية ، فقد رزق أدهم كما يذكر الكاتب في روايته توأمين وراح أدهم يغمغم وقد استخفه السرور :قدري وهمام قدري وهمام . (ص 68)
وقصة قدري وهمام هي ذاتها قصة قابيل وهابيل كما وردت في القرآن الكريم ، مع شيء من التصرف ، فالجبلاوي يدعو هماما إلى بيته ، ليعيش في هذا البيت ويتزوج فيه مما أثار حفيظة قدري وفي هذا إشارة إلى قول الله عز وجل "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر" (سورة المائدة آية27)
ثم يذكر أن قدري قتل هماما (ص 95) وذلك كما حدث من قتل قابيل هابيل "قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين" .. وقد ذكر القرآن ما حدث في قوله تعالى "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين" (سورة المائدة آية 30)
- جبل : من الشخصيات الرئيسة في الرواية ، والكاتب يرمز بهذه الشخصية إلى سيدنا موسى عليه السلام ، وربما وضع الكاتب هذا الاسم من تكليم الله موسى عند الجبل .
والدليل على أن الكاتب قصد بشخصية جبل موسى عليه السلام أن أحداث قصة جبل مقتبسة من أحداث قصة سدينا موسى فجبل يعيش في بيت الأفندي ،وكانت الهانم امرأة الأفندي قد رأته عاريا يستحم في حفرة مملوءة بمياه الأمطار ، فمضت تتسلى بمشاهدته فمال قلبها الذي حرمه العقم من نعمة الأمومة إليه . فأرسلت من حمله إليها وهو يبكي خائفا . (ص 131) وموسى عليه السلام ألقته أمه في اليم بأمر الله ويروى "أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في البحر فأمرت بسوقه إليها وفتحه فرأت فيه صبيا صغيرا ، فرحمته وأحبته ، فقالت لفرعون "قرة عين لي ولك" ... وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون ، فوهبه لها(انظر تفسير القرطبي 7/ 4969 طبعة دار الريان للتراث) والذي يراجع شخصية جبل في الرواية ، والأحداث التي مر بها ، يجد تشابها كبيرا بينها وبين قصة سيدنا موسى عليه السلام ، سواء في مطاردة قدرة فتوة آل حمدان لدعبس وتدخل جبل وقتله قدرة التي تمثل ما كان من إغاثة موسى عليه السلام الإسرائيلي الذي أراد أن يسخره ليحمل حطبا لمطبخ فرعون فوكز موسى القبطي فقضى عليه . (انظر القرطبي 7/ 4976) أو في هروب جبل في هدأة الليل من الحارة (ص153) الذي يماثل خروج موسى عليه السلام فارا بنفسه نحو مدين (ص154) وقصة جبل مع ابنتي البلقيطي اللتين كانتا تريدان ملء صفيحتهما بالماء (ص 154) تماثل ما كان من أمر موسى بعد أن ورد ماء مدين ، ورؤيته ابنتي شعيب اللتين كانتا تريدان سقي أغنامهما وما كان من أمره معهما .(انظر القرطبي 7/ 4984)
وأحداث قصة جبل تتشابه إلى حد كبير ، يكاد يكون متطابقا مع قصة نبي الله موسى عليه السلام ، ومن أراد أن يستوثق فعليه الرجوع إليها في الرواية فسيكتشف بسهولة ويسر درجة التشابه بين القصتين.

- الناظر أو الأفندي : من الشخصيات التي وردت في الجزء الخاص بجبل ، وهو يرمز على فرعون "والاسم يشير إلى تميزه وسيادته على قومه (الطريق إلى نوبل د محمد يحي ، ومعتز شكري 35 أمة برس للطباعة والنشر 1989م )
وهذا الرمز للشخصية الحقيقية يتضح من أحداث قصته مع جبل التي تشبه إلى حد كبير قصة فرعون مع موسى ، فالناظر يتعالى على آل حمدان ويتخف بهم ويربي جبلا في بيته إلى غير ذلك من الأحداث (راجع ص 122-131) هذا يشابه استعلاء فرعون واستخفافه بقومه ، كما في قول الله عز وجل "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منه يذبح أنباءهم ويستحي نسائهم إنه كان من المفسدين" ( سورة القصص آية 4) والتقاط آل فرعون موسى عليه السلام كما في قول الله تعالى "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين" (سورة القصص آية Cool وغير هذه الأحداث مما يشابه إلى حد كبير قصة فرعون المذكورة في القرآن الكريم .

-الهانم امرأة الأفندي في الرواية
وهي ترمز لآسية امرأة فرعون ، فالهانم عاقر كآسية وتعلق قلبها بجبل كما أحبت آسية موسى عليه السلام ، وهدى هانم هي التي تحرت عن موسى ، وطلبت أن تأخذه ليعيش في بيتها ، وينعم بأمومتها ، وآسية امرأة فرعون هي التي قالت "قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذ ولدا" (سورة القصص آية9) والمواقف التي ودرت في الرواية تحدد المقصود بهذه الشخصية تحديدا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.
وقد أسماها المؤلف في روايته "هدى" ربما لأن آسية كما هو معلوم آمنت بالله تعالى . واهتدت إلى نور الحق وإلى توحيد الله ، يقول الله عز وجل "وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين" (سورة التحريم آية 11)

- البلقيطي : شخصية وردت في الرواية ويرمز الكاتب بها إلى نبي الله شعيب عليه السلام كما جاء في كتب التفسير أو رعوئيل كما يذكر العهد القديم حيث التقى به موسى عليهما السلام فابنتا البلقيطي ملأ لهما جبل صفيحتهما كما سقى موسى الأغنام لابنتي شعيب والتقى جبل بالبلقيطي الحاوي (ص 158) كما حدث بين موسى وشعيب ، وقص جبل قصته على البلقيطي كما حدث من موسى لشعيب ، وتزوج جبل من ابنة البلقيطي شفيقة كما تزوج موسى عليه السلام من صفوريا ابنة شعيب . وحديث القرآن عن هذا واضح ، يقول الله عز وجل "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهما امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقا لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال نجوت من القوم الظالمين . قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الآمين . قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج" (سورة القصص آية 23-27)
وفي العهد القديم "وكان للكاهن مدين سبع بنات ، فأتين واستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن فأتى الرعاة وطردوهن فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن فلما أتين رعوئيل أبيهن قال : ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم . فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة ، وإنه استقى لنا أيضا وسقى لنا الغنم ، فقال لبناته : وأين هو ؟ لماذا تركتن الرجل . ادعونه ليأكل طعاما ، فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل فأعطى موسى صفورة ابنته . (العهد القديم سفر الخروج الإصحاح الثاني 16-22)


- شفيقة وسيدة : ابنتا البلقيطي في الرواية ويرمز بهما الكاتب إلى انتي شعيب عليه السلام وقد تزوج جبل من الصغرى شفيقة كما تزوج موسى عليه السلام من الصغرى صفوريا . (القرطبي 7/ 4989)


- قدرة : فتوة آل حمدان في الرواية ويرمز به الكاتب إلى القبطي الذي وكزه موسى عليه السلام فقدرة قبض بيده على منكب دعبس وشد على منكبه وصفعه على قفاه بقوة تقوس لها ظهره ثم طرب بركبته دبره ، وراح يكيل له الضربات حتى استغاث بجبل الذي تدخل لنصرته وضرب قدرة حتى مات (ص 136-139) وهذا يماثل ما ورد من أن القبطي أراد أن يسخر الإسرائيلي فلما أبى عليه ضربه وقاتله ، حتى تدخل موسى عليه السلام بعد استغاثة المضروب به فوكزه موسى فقضى عليه . (القرطبي 7/ 4976)
وفي العهد القديم "لما كبر موسى خرج إلى اخوته لينظر في أثقالهم فرأى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيا من اخوته فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل . (سفر الخروج الإصحاح الثاني 11/12)

-دعبس أحد آل حمدان وهو الذي ضربه قدرة فاستغاث بجبل لكي يناصره ، ويرمز به الكاتب إلى الإسرائيلي الذي استغاث بموسى عليه السلام كما سبق .

- ضلمة : أحد الشخصيات الثانوية وهو الذي هدأ من روع جبل بعد أن قتل قدرة وقال له سأدلك على طريق الهرب إذا أردته (ص 152) ويرمز به الكاتب إلى حزقيل بن صبورا مؤمن آل فرعون الذي قال لموسى عليه السلام "إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين" سورة القصص آية 20)

- شافعي : والد رفاعة وزوج عبدة ويرمز به الكاتب ليوسف النجار الذي خطب السيدة مريم ، وقد جعل الكاتب "المعلم شافعي " يعمل بالنجارة والدلالة واضحة في هذا ، وجعله متزوجا من عبدة ، وقد ذهب شافعي وعبدة إلى الحارة حيث كانا رجلا في أواسط العمر وامرأة شابة حبلى . (ص 213)
وفي إنجيل متى : فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب ، وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع . (الإصحاح الأول 24-25) وإن كان الكاتب قد جعل عبدة متزوجة من شافعي وأنها أنجبت منه رفاعة . فإن هذا مخالف لما جاء في القرآن الكريم وكذلك الإنجيل .

- عبدة : امرأة الشافعي وأم رفاعة ويرمز بها الكاتب إلى السيدة مريم ، وقد جعلها المؤلف تحمل من شافعي مخالفا ما ورد في القرآن الكريم وفي الإنجيل كما قلنا من قبل ولكنه ردد ما قاله اليهود "إن يوسف النجار تعجل قطف الثمرة قبل نضجها.(حكاية أولاد حارتنا د عبد الجليل شلبي ص 35 كتاب اليوم دار أخبار اليوم يناير 1995م)
وربما كان هذا الاسم للدلالة على تعبد السيدة مريم أو إلى ما كان من أن امرأة عمران لما حملت قالت "لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لجعلته محررا لعبادة الله . (القرطبي 2/ 1308)

- رفاعة : من الشخصيات الأساسية في الرواية ، ويرمز به الكاتب إلى المسيح عيسى عليه السلام وربما اقتبس هذه التسمية من قول الله عز وجل "بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما" والدليل على أنه يقصد بهذه الشخصية المسيح عليه السلام ما أورده في الرواية من قوله : واقترب رفاعة من الشاعر مبتهجا ، فتناول يده فلثمها وربت الرجل على كتفه وتحسس رأسه في استطلاع وقسمات وجهه وقال بديع ، ما أشبهك بجدك فنور الثناء وجه عبدة وضحك عم شافعي قائلا : لو رأيت جسده النحيل ما قلت ذلك فرد الشاعر : حسبه ما أخذ إن الجبلاوي لا يتكرر . (ص219) والعقيدة عن النصارى أن المسيح ابن الله لأن المسيح هو كلمة الله المتجسد المولود الوحيد الذي لا يكون إلا على صورة المولود منه الذي وصفه الإنجيل بأنه محبة.( سيرة المسيح 2:9كنيسة قصر الدوبارة دار جيل للطباعة 1983) ففي هذا إشارة إلى ما يدعيه النصارى من بنوة عيسى لله سبحانه وتعالى، وفي إنجيل متى "وصوت من السماوات قائلا : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " (لإصحاح الثالث 17) ولذلك عاد المؤلف في الرواية ليؤكد هذا المعنى فيما قاله على لسان رفاعة : جدي سمعني وجاءني صوته قائلا : ما أقبح أن يطالب شاب جده العجوز بالعمل ، والابن الحبيب من بعمل . (ص 248) وفي الرواية كذلك الحديث عن رفاعة بأنه المخلص من العفاريت فيقول الكاتب : كان يدعى في الحي بالمعلم رفاعة وكان يدعونه بها في إخلاص ومحبة ، وعرف بأنه يخلص من العفاريت ويهب الصحة والسعادة لوجه الله وحده (ص 267) ومعلوم أن المسيح يطلق عليه في النصرانية "المخلص" وفي إنجيل متى "لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " (الإصحاح الأول 21) وكون رفاعة يهب الصحة والسعادة لوجه الله كما ورد في الرواية ، يتفق مع إبراء عيسى الأكمه والأبرص يقول الله عز وجل: " وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله" (سورة آل عمران آية 49) ويقول سبحانه "وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني" وفي إنجيل مرقس "ولما وجدوه قالوا له : إن الجميع يطلبونك فقال لهم لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضا لأني لهذا خرجت . فكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين . فأتى إليه أبرص بطلب إليه جاثيا وقائلا له إن أردت تقدر أن تطهرني فتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال له : أريد فاطهر ، فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص وطهر . (الإصحاح الأول 37-41) وهذا الذي ورد في القرآن الكريم وفي إنجيل مرقس وفي إنجيل متى يتفق معه ما ذكره الكاتب من إبراء رفاعة مرضاه ، فهو يقول : أما الذين برئوا على يديه فكان لك منهم قصة يرددها . (ص 268) وقول رفاعة عن نفسه "صديق المساكين يا معلم . (ص270) يشبه ما ورد في إنجيل لوقا : ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه ، روح الرب على لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق . (الإصحاح الرابع 17-18)
وهكذا نجد كثيرا من الأحداث والإشارات تتفق مع ما ورد عن المسيح علي السلام في القرآن الكريم أو الأناجيل مما يؤكد أن الكاتب قصد بشخصية رفاعة عيسى بن مريم .
وأخيرا فإن ما أورده الكاتب عن مقتل رفاعة ، ثم استخلاص جثته من الرمال ، وانهماك أصحابه في فتح القبر والضياء ينتشر رويدا ، ثم البحث عن الجثة بعد الدفن بأيام ، وعدم العثور على تلك الجثة .(ص 295-300) كل هذا يتفق مع ما ورد في الأناجيل من موت عيسى وإذن الملك بيلاطس بحمل جسد المسيح ومجيء مريم المجدلية وتلاميذه إلى القبر وعدم وجود الجثة داخله . ( إنجيل يوحنا الإصحاح العشرون 1-Cool


- ياسمينة : المرأة الساقطة التي تزوجها رفاعة ،ويرمز بها الكاتب للسامرية التي التقى بها المسيح عليه السلام فياسمينة كما ذكر الكاتب لا تعرف معنى الشرف (ص 251) والسامرية امرأة ساقطة قضت حياتها في الآثام ولا تزال مقيدة بها , (سيرة المسيح 1-122) وقد هونت ياسمينة من الخطب بسلوكها عقب المظاهر إذ هرعت إلى بيت عم شافعي وجثت أما الرجل وزوجه باكية ، وسكبت على قدميها بعض ما فاض من قلبها من الامتنان ، ثم أعلنت في حرارة وجد توبتها . (ص 255) كما نجد في النصرانية أنه " أوضح المسيح للسامرية أن باب القبول عند الله مفتوح لكل من يسجد له بالروح والحق . (سيرة المسيح 2/ 125)

- زنفل : أحد فتوات الحارة ، ويرمز به الكاتب إلى هيرودس الملك الذي أرسل وقتل جميع الصبيان الذي في بيت لحم وفي كل تخومها . من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس (إنجيل متى الإصحاح الثاني 16) وكذلك فإن زنفل المجرم الملعون خطف وليد سيدهم بياع لحمة الرأس ثم لم يسمع عن الوليد بعد ذلك أبدا . ثم تأخذه رحمه بطفل في شهره الأول .(ص 215)

- قاسم : من الشخصيات الأساسية في الرواية ، ويرمز به الكاتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اعتمد في هذه التسمية على كنية الرسول "أبو القاسم" والأحداث المرتبطة بشخصية قاسم تكاد تطابق ما ورد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقاسم ولد يتيما ، وكفله عمه زكريا ، وكان يعمل مع عمه حتى بدأ يرعى الغنم وتزوج من السيدة قمر السيدة الوحيدة التي تملك مالا في حي الجرابيع ، وحبه الخلاء وغير هذه الأحداث التي يمكن مقابلتها مع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .

- زكريا عم قاسم ، ويرمز به الكاتب إلى أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فزكريا يكفل قاسما بعد أن مات أبواه (ص 310) كما فعل أبو طالب وأخذه ابن أخيه للعمل (ص 312) كما أخذ أبو طالب محمدا في تجارته واصطحاب زكريا قاسما للقاء المعلم يحي الذي يبيع المسابح والبخور (ص 313) كما أخذ أبو طالب محمدا ومر به على الراهب بحيرا (راجع سيرة ابن هشام 1/ 114 نهاية الإرب للنويري 16/ 90-92) وغير ذلك من الأحداث التي تكشف هذه الشخصية بوضوح .

- حسن : ابن عم قاسم ، ويرمز به الكاتب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو ابن زكريا الذي رمز به الكاتب لأبي طالب ، والاسم يشير إلى كنية الإمام علي "أبو الحسن " فحسن كان ملازما لقاسم كما كان الإمام علي كرم الله وجهه ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن هو الصبي الذي صدق قاسما في حديثه عن قاء خادم الجبلاوي (ص 356) كما أن عليا رضي الله عنه كان أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم من الصبيان ، كما أن قوما رأوا أن حسن أحق من صادق بالنظارة لقرابته من قاسم . (ص 447) كما حدث من أنصار علي الذين رأوا أنه أحق بالخلافة . (راجع الشيعة وأهل البيت . إحسان إلهي ظهير)

- صادق : أحد أصدقاء قاسم المقربين ويرمز به الكاتب للصديق أبي بكر رضي الله عنه وواضح اشتقاق الاسم من اللقب "الصديق"
وصادق مقارب لقاسم في سنه وطوله ، ولكنه أنحل منه عودا . (ص 322) كما أن أبا بكر كما وصفته ابنته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت : كان أبي نحيف الجسم ، خفيف العارضين لا يستمسك إزاره . (انظر الطبقات الكبرى محمد بن سعد 3- 119 دار التحرير للطبع والنشر) وهو أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين . (روضة الأنوار في سيرة النبي المختار : صفي الرحمن المباركفوري ص 23مكتبة دار السلام الرياض)
وصادق يعلن بعد سماع قول قاسم بأنه التقى بخادم الجبلاوي تصديقه المطلق لصاحبه ويقول : إنه رجل صادق أتحدى أي مخلوق أن يذكرنا بكذبة صدرت عنه ، فهو عندي مصدق وأقسم لكم على ذلك بتربة أمي . (ص 356) وكذلك فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يتردد في تصديق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ولذلك فقد قال عليه الصلاة والسلام : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أمر أبي بكر بن قحافة ما عكم (أي ما تلبث ) عنه حين ذكرته له وما تردد فيه . (سيرة ابن هشام 1/ 159)
وصادق خلف قاسم على النظارة فسار سيرته (ص 447) كما أن أبا بكر رضي الله عنه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متأسيا برسول الله مقتديا به .
وكل هذا يكشف عن دلالة هذا الرمز الذي أورده الكاتب في روايته .

- قمر : إحدى شخصيات الرواية وهي التي تزوجها قاسم ، ويرمز بها الكاتب للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقمر السيدة الوحيدة التي تملك مالا في حي الجرابيع (ص 320) والسيدة خديجة كانت من أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا . (نهاية الأرب 16/97 وانظر سيرة ابن هشام 1/ 119) وقمر كما يذكر الكاتب في روايته سيدة أربعينية (ص 321) والسيدة خديجة رضي الله عنها كانت في الأربعين من عمرها عندما تزوجت من الرسول صلى الله عليه وسلم . وسكينة خادمة قمر تقول لقاسم : لمثلك يدعى ببنت الحلال فقال ضاحكا ومن ذا الذي يرضى براعي غنم (ص 332) ثم تقول له : جرب بختك واخطب سيدة حينا ، فيتساءل من تعنين يا سكينة ؟ فترد : لا تتجاهل ما أعني ليس في حينا إلا سيدة واحدة (ص 333) وكذلك فإن نفيسة بنت منية خادمة السيدة خديجة تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول له : ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال : وما بيدي أن أتزوج به . قالت : فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال: فمن هي ؟ قالت: خديجة قال : وكيف لي بذلك ؟ قالت: على فأنا أفعل . ( نهاية الأرب 16/97) وقمر امرأة أرمل كما كانت السيدة خديجة رضي الله عنها وقد ماتت قمر في حياة قاسم فحزن عليها حزنا شديدا (ص 395) كما ماتت السيدة خديجة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحزن لذلك حزنا شديدا .

- سكينة : خادمة قمر في الرواية وهي ترمز لنفيسة بنت منية خادمة خديجة كما سبق .

- بدرية : إحدى شخصيات الرواية وهي أخت صادق وقد تزوج منها قاسم ، ويرمز بها الكاتب إلى السيدة عائشة رضي الله عنها فبدرية فتاة صغيرة في الثانية عشرة(ص 397) كما أن عائشة كانت بنت تسع سنين أو عشر عندما تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ( سيرة ابن هشام 4/201 ونهاية الأرب 18/174) وبدرية تقول لقاسم يوما عن قمر زوجته الأولى : كانت طاعنة ولا جمال لها . فتقوضت قامته المنتصبة في كآبة كأنه تهدم ، وقال في عتاب وحزن شديدين : لا تذكريها بسوء ، فمثلها لا ينبغي أن يذكر إلا بالرحمة فارتد إليه رأسها متوثبا ، لكنها رأت على صفحة وجهه حزنا مخيفا فترددت ، ثم لاذت بالصمت . ( ص 421) والسيدة عائشة تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن عليها الثناء فذكرها يوما من الأيام فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله بها خيرا منا . فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال : لا والله ما أبدلني الله خيرا منها ، آمنت بي إذا كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني في مالها إذ حرمني الناس ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء ، قالت عائشة فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا . (نهاية الأرب 18/ 172)

- قنديل : خادم الجبلاوي ، الذي رآه قاسم أو خيل إليه أنه رآه كما يذكر الكاتب ويرمز به في الرواية إلى أمين الوحي جبريل عليه السلام ، ونلاحظ تشابه الاسمين في الوزن وفي الحرفين الأخيرين ، وربما كان الاسم قنديل فيه إشارة إلى كون الملائكة من نور ، كما أن القنديل يتخذ للإنارة والضياء .
والدليل على أن الكاتب يقصد بهذه الشخصية جبريل عليه السلام ، أنه جعله خادما للجبلاوي (ص 352) الذي رمز به للذات العلية ، وهو الذي أرسله إلى قاسم الذي رمز به للرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر الكاتب أن قاسما يخيل إليه أنه رأى شبح قنديل أثناء المعركة التي دارت بين قاسم وأصحابه وبين سوارس ورفاقه من الفتوات (ص418) وذلك إشارة إلى ما حدث في عزوة بدر عندما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ، ثم خفق خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال : أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع (سيرة ابن هشام 2/ 185 ونهاية الأرب 17/24)

- عرفة : الشخصية الرئيسة في الجزء ا لأخير من الرواية ويرمز به الكاتب إلى رجل المادة أو العلم أو العلمانية ، وواضح ما في لفظ "عرفة" من معنى المعرفة والعلم ولذلك جعله الكاتب مجهول الأب (ص451) إشارة إلى أن العلم ليس له أب ولا جنس معين ، كما جعله يصب لعناته على الجبلية والرفاعية والقاسمية (ص454-457-487) إشارة إلى عداء العلمانية للأديان كلها ، ثم جعله يعرف قدره عند المرض والغم والضعف. (ص 453) ويملك الأعاجيب في حجرته ومنها قوة لم يحز عشرها جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين (ص 471) إشارة إلى قوة العلم وطاقاته الجبارة كما يزعمون .
وجعله كذلك لا يؤمن بشيء إلا إذا رآه بعينيه وجربه بيديه . ( ص 487) إشارة إلى عدم إيمان العلم المادي بالغيبيات ، واعتماده على التجربة والأشياء الملموسة .
وهكذا تبدوا رموز الرواية واضحة الدلالة تكشف عما ترمز إليه بوضوح ودون خفاء وإن حاول الكاتب أن يلبسها زي الواقعية محاولا إخفاء ما ترمز إليه ،ولكن هذه الغلالة الرمزية الرقيقة كانت تشف عما تحتها وتبرز ما دونها .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadat2010.9f.com
منار الشحات
عضو سوبر
عضو سوبر
منار الشحات


نقاط العضو : 329588
تقييم العضو ( هام جدا ) : 36106
العمر : 30
الموقع : sadat2010.9f.com

نقد أدبى لـ Empty
مُساهمةموضوع: رد: نقد أدبى لـ   نقد أدبى لـ Icon_minitime1الأحد يونيو 06, 2010 12:18 am


مقدمة وتمهيد


أولاد حارتنا رواية رمزية أو لنقل إنها مجموعة من الحكايات التي تحاول اتخاذ التاريخ البشري على مر العصور ميدانا لأحداثها ، فقد اعتمد نجيب محفوظ فيها على الجانب التاريخي اعتمادا كاملا ، ولقد أثارت تلك الرواية ضجة كبيرة ما بين مؤيد ومعارض وقد اعترض عليها الأزهر (كما ذكر نجيب محفوظ في حواره مع الصحفي والكاتب محمود فوزي) وأدى هذا الاعتراض إلى عدم نشرها
يقول نجيب محفوظ (
اعترافات نجيب محفوظ ، محمود فوزي ص 88 دار الشباب العربي ) " عندما نشرت هذه الرواية في حلقات مسلسلة في جريدة الأهرام ، اعترض عليها الأزهر بشدة ، وهاجمها الشيوخ ، ثم فوجئت بالمرحوم صيري الخوي يزورني ، ويقول لي : الريس جمال يبقولك أوقف نشر هذه الرواية ، وكان من الأمور الطبيعية في ذلك الوقت في فترة الستينات أن يحدث منع أو مصادرة لكتاب ، ولم يكن الأمر بالطبع وقتها يسمح بالاعتراض ، وما حدث هو أن شيوخ الأزهر قد قرءوا الرواية بعين رجال الدين ، وليس بعين الأدباء والنقاد ، فاعتقدوا أنها تمس الدين ، فأرسلوا شكاوى إلى جمال عبد الناصر الذي اهتم بالموضوع ، والحقيقة أنهم لم يقرءوا الرواية ، فأولاد حارتنا ليس نصا دينيا ، ولكنها عملا أدبيا " ( هكذا وجدت في النص المكتوب ، وفي هذا خطأ نحوي ، والصواب : عمل أدبي
)

من هنا أدرت أن أقرأ الرواية ، دون أن أقرأ قبلها شيئا يكون له تأثير على نظرتي الدينية أو الأدبية ، حتى نخرج منها
(من خلال القراءة المتأنية )
إلى حقيقة الأمر ، فهل الشيوخ لم يقرءوها كما ذكر نجيب محفوظ في نهاية النص ؟ أم أنهم قرءوها بعين رجال الدين كما ذكر وسط النص ذاته ؟ وهل هناك علاقة بين الرواية والأديان ؟ وهل تتعارض مع العقيدة والدين ؟
هذه أمور تجعل قراءة
" أولاد حارتنا "
قديمة جديدة ، وتسمح بإعادة الحديث عنها .

وإذا كان هناك الكثيرون ممن تصدوا للرواية وتناولوها ، سواء بالتقريظ أو بالتجريح ، فإن أحدا منهم
(فيما أتصور ) لم يوثق نصوصه ، ومن ثم كان اتهام هؤلاء بأنهم لم يقرءوا الرواية ، كما أن أحدا منهم (فيما أعتقد )
لم يربط بين اتجاه نجيب محفوظ في "أولا د حارتنا " وبين اتجاهه في غيرها من الروايات ، حتى نتعرف على فكر الرجل ، ونظرته للدين والعلم .

فالرواية تقع في مائة وأربعة عشر فصلا ، بعدد سور القرآن الكريم ، وهذا أمر فظن إليه كثيرون فقد ذكر ستوري ألن سكرتير الأكاديمية السويدية ذلك في حفل توزيع جوائز نوبل ، حيث قال " وللقراء الكثيرين الذين اكتسبهم نجيب محفوظ من خلال الثلاثة خلفيتها الواسعة التي تصور الحياة المعاصرة جاءت "أولاد حارتنا " كالمفاجأة ، فالرواية تمثل التاريخ الروحي للبشرية ، وقد قسمت إلى فصول بعدد سور القرآن الكريم ، أي 114 فصلا ، وشخصيات الإسلام واليهودية والمسيحية العظيمة تجئ متخفية لتواجه مواقف مملوءة بالتوتر فرجل العلم الحديث يمزج بنفس الجدارة بين إكسير الحب وبعض المواد المتفجرة ، وهو يتحمل مسؤولية موت "
الجبلاوي " أو الإله ، ولكنه يفنى هناك بريق أمل في نهاية الرواية . (نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة ص 11 خليل تادرس . مطبعة النصر 1989م)


وما من شك في أن هذه الرواية الرمزية قد تعرضت لكثير من الأمور الدينية ، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية ، أو غيرها وتناولت الكثير من المقدسات الإٍسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غيرها ، وتناولت الكثير من المقدسات الإسلامية وهذا ما أثار عليها وعلى كاتبها ردود فعل عنيفة ، مما جعل الرواية لا تظهر في مصر في كاتب كامل ، وإنما نشرت بعض فصولها في الصحف ، بيد أنها نشرت كاملة في بيروت .
ومن ثم فإني أحاول أن أصل إلى رأي في الرواية معتمدا على ما فيها دون تحيز أن تعصب ، وأن أبني ما أقول على ما كتبه الكاتب الكبير في روايته .

وقد بينت هذا البحث على تمهيد وستة فصول ، وخاتمة .
تناولت في التمهيد
: نشأة نجيب محفوظ وأثرها في فكره وأدبه .

ثم عرضت في الفصل الأول
: مضمون الرواية بإيجاز ، حتى يكون القارئ على بينة بما ورد فيها ، وخاصة أن الرواية لم تنشر في مصر .

وعقدت الفصل الثاني
: للرموز التي تناولها الكتاب في روايته ، وما ترمز إليه بالدليل والبرهان .

وفي الفصل الثالث
: تناولت الإشارات التي وردت في الرواية ، ومدلولاتها ، من خلال الواقع التاريخي ، مؤيدا ما أراه بالبراهين والحجج الدالة على صدق ما أرى .

وفي الفصل الرابع
: تناولت موقف الكتاب في رواياته من الدين والعلم ، من خلال شخصياته ، حتى نصل من خلال ذلك لفكر الكاتب .

أما الفصل الخامس
: فقد تناولت فيه الرواية من الجانب الفتي ، ومدى تأثر الرواية بالهدف الذي أراد الكاتب أن يصل إليه من ورائها .

وفي الفصل السادس
: تناولت آراء الأدباء والنقاد لرموز الرواية وإشاراتها ، معقبا على كل رأي بما أعتقده .

ثم كانت الخاتمة
التي ذكرت فيها بعض ما انتهيت إليه من نتائج من خلال هذا البحث .

وأخيرا :
فإني أرجو أن أكون وفقت إلى الوصول إلى رأي منصف يعتمد على استنتاج صادق .
فإن كان التوفيق فهو من الله عز وجل ، وإلا فحسبي أني اجتهدت . والله من وراء القصد
د . إبراهيم محمد قاسم .





****



تمهيد : نشأة نجيب محفوظ وأثرها في أدبه .


من المسلم به أن الفن ذو علاقة وطيدة بالحياة ، كما أنه من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين المبدع والعملية الإبداعية ، ولذلك فإن الربط بين الكاتب وحياته وبيئته أمر ضروري ، ومن ثم فإن علينا أن نتعرف على نشأة نجيب محفوظ وصداها في أدبه .
ولد نجيب محفوظ في حي الجمالية ، وكان ذلك عام 1911 م في وقت من أوقات التحول الاجتماعي التغيير الجغرافي بالنسبة لسكان القاهرة . ثم انتقلت أسرته إلى العباسية عام 1924 م وإن كان تأثير حياته الأولى في الجمالية أقوى وأظهر في إبداعه الروائي فلم ينس نجيب محفوظ (بعد أن رحل إلى العباسية ) أصدقاء الطفولة في الجمالية ، حيث كان يأتي إليها بين الحين والحين ، وتأثر بها إلى حد كبير . (انظر : نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة ص 19، 20 و" نجيب محفوظ يقول " رجب حسن ص 112 الهيئة المصرية العامة ) وقد عاش نجيب محفوظ في تلك الفترة عيشة شوارعية بمعنى الكلمة ، وعرف كثيرا من ألوان الحياة التي صورها في قصصه الحافلة . (انظر الرجل والقمة . بحوث ودراسات . اختيار فاضل الأسود . مقال عباس خضر " نجيب محفوظ نشأته انعكاسها في أدبه " ص 240)

وقد درس نجيب محفوظ في أثناء دراسته الجامعية الفلسفة ، إلى جانب اهتمامه بالأدب ، وهو يقول عن هذه المرحلة : " كنت أمسك بيد كتابا في الفلسفة وفي اليد الأخرى قصة طويلة ، من قصص توفيق الحكيم ، أو يحي حقي ، أو طه حسين ، وكانت المذاهب الفلسفية تقتحم ذهني في نفس اللحظة التي يدخل فيها أبطال القصص من الجانب الآخر ، ووجدت تنفس في صراع رهيب بين الأدب والفلسفة ، صراع لا يمكن أن يتصوره إلا من عاش فيه ، وكان على أن أقرر شيئا أو أجن ، ومرة واحدة قامت في ذهني مظاهرة من أبطال " أهل الكهف " الذين صورهم توفيق الحكيم ، و" البوسطجي " الذي رسمه يحي حقي ، والفلاح الصغير الذي لا يعرف الدنيا أبعد من حدود عيدان الغاب المنتصبة من حافة الترعة في رواية " الأيام " لطه حسين ، وأشخاص كثيرون من أبطال قصص محمود تميمور ، كلهم كانوا يسيرون في مظاهرة واحدة ، وإذا كان نجيب محفوظ قد اهتم بدارسة الأدب والفلسفة ، فإنه قد تأثر كذلك في قراءاته بكثير من الكتاب ، ولكن كان لسلامة موسى أثر قوي في تكوينه الفكري ، حيث وجهه إلى شيئين مهمين ، (كما يذكر نجيب محفوظ ) هما العلم والاشتراكية ، كما شجعه على الكتابة ، وقد أعجبته رواية " عبث الأقدار " ونشرها لنجيب في " المجلة الجديدة " ، كما نشر له بعض أقاصيصه في " الرواية " ومجلتي " (نجيب محفوظ الطريق والصدى د . على شلش ص 89 الهيئة العامة لقصور الثقافة 1993م )

وهو يقول عن أثر سلامة موسى في تفكيره " كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري ، فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية ، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن ، وكان الأديب الوحيد الذي قرأ رواياتي الأولى وهي مخطوطة ، قرأ ثلاث روايات ، وقال لي : إن عندي استعدادا ، ولكن الروايات غير صالحة للنشر ، ثم قرأ الرواية الرابعة ، وكانت " عبث الأقدار " وأعجبته ونشرها كاملة " (نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية . فؤاد دوارة ص 219 الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989م)


وتأثر نجيب محفوظ كذلك في أدبه بما قرأ لطه حسين والعقاد ، وغيرهما ، ممن يطلق بعض الكتاب عليهم " المنورين" أو أصحاب الدعوة إلى التنوير (انظر نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة . خليل تادرس ص 30) وممن كان لهم أثر في كتاباته .
كما كان للمسرح دور أساسي في تكوين وعيه الفكري وثقافته ، وهو يقول عن ذلك : " كنت من أشد المغرمين بالذهاب إلى المسرح ، ولم أكن أترك مسرحية واحدة دون أن أشاهدها (انظر نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية . فؤاد دوارة ص 197) وقد أعجب بكثير من كتاب المسرح العالمي ، كشكسبير الذي تأثر به كثيرا ، ويوجين أونيل ، وصمويل بيكيت ، ومن كتاب المسرح المصري : توفيق الحكيم ، ونعمان عاشور ، والفريد فرج ، وسعد الدين وهبة ، وعلى سالم (انظر المرجع السابق)


وإذا كان الأدب قد انتصر على الفلسفة في عقل نجيب محفوظ ، فإن أثر الفلسفة ظل واضحا في كتاباته ، حيث لم تتوقف قراءاته الفلسفية وإن قلت بعض الشيء .
وقد سئل عن أثر دراسة الفلسفة في كتاباته فأجاب : " إن الفلسفة دخلت في أكثر من عمل من أعمالي ، والفلسفة تؤثر في الأعمال الأدبية بصور مختلفة ، فهناك شخصيات متفلسفة أو متأثرة في سلوكها وأحاديثها بالأفكار الفلسفية ، وهي كثيرة في رواياتي (انظر المرجع السابق ) وكذلك كان للعلم أثره في تفكيره ، وفي نظرته للأشياء ، كما كان له دور بارز في كتاباته الأدبية ، وفي رواياته بصفة خاصة ، كما سيتضح مما ستعرضه فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وإذا كان نجيب محفوظ قد تأثر بعوامل متعددة كان لها دور في تكوين شخصيته وتشكيل عامله الثقافي ، فقد كان لبيئته كذلك أثرها في تكوينه ، لأن الأديب ابن البيئة ، وامتداد لما فيها من أماكن ومعالم . "ولهذا انعكست قاهرة المعز بكل تفاصيلها ودقائقها في أدب نجيب محفوظ ، فهو يحتفي ويحتفل في أدبه بعاداتها وتقاليدها وموروثاتها الاجتماعية " (انظر اعترافات نجيب محفوظ. محمود فوزي ص 14 دار الشباب العربي القاهرة )

لقد تعلق نجيب محفوظ بالقاهرة ،وبدا تعلقه بها وتأثرها بما فيها في كتاباته بصفة عامة ، وفي رواياته بصفة خاصة ، ولذلك ظهرت القاهرة بأحيائها الشعبية المختلفة في هذه الروايات ، بل وجدنا هذه الأحياء عناوين لبعض رواياته مثل : السكرية ، بين القصرين ، قصر الشوق ، خان الخليلي ، روض الفرج . كما نجد في رواياته وقصصه : مصر القديمة ، القاهرة الجديدة ، ثرثرة فوق النيل ، الحب فوق هضبة الهرم ، وغير ذلك من القصص والروايات التي نجد فيها صدى ارتباط الكاتب ببيئته .
وقد مر نجيب محفوظ في حياته الأدبية بمراحل ثلاث ، حيث بدأ بالمرحلة التاريخية ، فكتب
" عبث الأقدار عام 1939م ، و" رادوبيس " عام 1943م و" كفاح طيبة " عام 1944م ثم انتقل إلى المرحلة الواقعية ، حيث كتب " القاهرة الجديدة " عام 1945م وخان الخليلي عام 1946م و" زقاق المدق " عام 1947 م و" السراب " عام 1948م و " بداية ونهاية 1949م . ثم كانت ثلاثياته : بين القصرين ، وقصر الشوق ، والسكرية عام 1957 م ثم كانت المرحلة الفلسفية التي كتب خلالها "أولاد حارتنا" 1959م " واللص والكلاب " 1961م و "السمان والخريف" عام 1962م و "الطريق" 1964 وغير ذلك من الروايات .

وقد فاز الأديب الكبير بجائزة نوبل عام 1988م

كما حصل على الكثير من الجوائز والأوسمة قبل هذه الجائزة ، ففاز بجائزة قوت القلوب الدمرداشية عن رواية "روادوبيس" عام 1943م وفاز بجائزة المعارف عن رواية " كفاح طيبة" عام 1944م وفاز بجائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلي" عام 1946م وفاز بجائزة الدولة التشجيعية في الأدب عن رواية " قصر الشوق " عام 1957م وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1962م وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1970م وحصل على جائزة رابطة التضامن الفرنسية العربية عن "الثلاثية" ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا عام 1984م وحصل على قلادة النيل عام 1988 ، ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة عام 1989م (انظر حول الدين والديمقراطية . نجيب محفوظ ص 244 الدار المصرية النباتية 1990)

وأعمال نجيب محفوظ الأدبية كثيرة ومتعددة ، فقد كتب أكثر من ثلاثين رواية وسبع مسرحيات ، وأربع عشرة مجموعة قصصية قصيرة ، كما قام بالعديد من الترجمات ، وكتب للأطفال ، وله مجموعة مقالات ، وترجمت أغلب أعماله إلى اللغات المختلفة من إنجليزية وفرنسية وألمانية وصينية وسويدية .
وعلى ذلك نجد الكاتب الكبير قد فرض نفسه على الساحات الأدبية بما أنتجه من أعمال ، وما أبدعه من قصصه التي انتشرت وذاعت .
ومن ثم كان لزاما أن تكون وجهات النظر حوله وحول إبداعه الأبي ونتاجه الفكري مختلفة ومتباينة ، ونظرا للآراء والأفكار المتعددة التي طرحها في كتاباته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadat2010.9f.com
 
نقد أدبى لـ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بدء تنسيق المرحلة الأولى للجامعات الخميس 21 يوليو 2011 والحد الأدنى 93.9%علمى و79.2% أدبى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مدرسة السادات الثانوية بنات بالزقازيق - محافظة الشرقية - مصر :: منتديات أهم الأخبار :: أهم أخبار الفن والأدب بمصر والوطن العربى والعالم-
انتقل الى: