بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول ابنُ القيم رحمه الله : للعَبْد سَتْرٌ بينه وبين الله ، وسَتْرٌ بينه وبين الناس ، الله عز وجل من أسمائِه الستار ، فهو يسْتُر ، مثلاً : لك سُمْعَة طيِّبَة فالله تعالى يحْفظها ، ولن تُخْدَش
ثمَّ قال فَمَن خرق السَّتْر الذي بينه وبين الله خرق الله له السَّتْر الذي بينه وبين الناس ، هذا الكلام يقودنا إلى حقيقة وهي أنَّ للعَبْد علاقتان ؛ علاقة مع الله ، وعلاقة مع عِباد الله ، وأصْل الدِّين كما قال تعالى :
(( وَجَعَلَني مُبارَكاً أين ما كُنْتُ وَأوْصاني بالصَلاةِ والزَكاةِ مادُمْتُ حَيّاً ))
فالصلاة اتِّصال بالخالق ، والزكاة إحْسان للمَخْلوق ، فأنت بين علاقَتَيْن علاقة بينك وبين الله، وعلاقة بينك وبين عباد الله
دَقِّق أيها الأخ الكريم إنْ صَحَّت علاقتك مع الله سَلِمَت ونَمَتْ علاقتك مع الناس ، قال تعالى :
(وألْقَيْت عليك محبَّةً مِنِّي ) فإذا أحَبَّك الله أحَبَّك الناس ، لأنَّ الله جلَّ جلاله بقُدْرَتِه وحِكْمته يُلْقي مَحَبَّتَك في قلوب الخلْق ، إن صَحَّتْ علاقتك به ,,, لكن إنْ خَرَقْتَ السَّتْر الذي بينك وبين الله تعالى خرق الله لك الستْر الذي بينك وبين الناس.
هناك مليون مشكلة بيننا وبين الناس ممن حوْلنا ، مع من هو أقْوى منَّا ، ومع من هو أضْعف مِنَّا ، مع أقربائِنا ومع جيراننا إلخ.. هذه العلاقات مع الناس متى تَسْلم وتنْمو؟ إذا صَحَّتْ علاقتك مع الله تعالى .
إذاً للعَبْد سَتْرٌ بينه وبين الله وستر بينه وبين الناس ، فَمَن هتَكَ السِّتْر الذي بينه وبين الله هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين الناس ، فأنت مبْدئِياً أصْلِحْ علاقتك مع الله ، ولا تعْبأ بِمَنْ حولك ، فإذا أصْلَحْتَ علاقتك مع الله دافع الله عنك وأيَّدَك و ألْقى مَحَبَّتك في قلوب الخلْق ، ومنع الأشْرار أن يَصِلوا إليك كُلُّ الثِّمار الطيِّبَة تنالها إذا صَحَّتْ علاقتك مع الله ، فإن صَحَّتْ صَحَّتْ علاقتك مع البشَر ، فانْظر دائِماً إلى علاقتك مع الله ، واحْرص عليها لأنَّ كلَّ الخلْق بِيَد الله ، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء ، فإذا أحَبَّك الله ألْقى حُبَّك في قلوب الناس وإذا أبْغَض الله عبداً ألقى بغْضه في قلوب الخلق
فالمُلَخَّص أنَّ كُلَّ المشْكلات التي تُعانيها مع الناس ليْسَت أمراضاً ، بل هي أعراض مرَضٍ واحِدٍ ؛ إنها أعْراض ، والإعْراض مُشْكلات وخُصومات، واتِّهام باطل ، وطعْن ، فإن أردْتَ أن تسلم فاصْطَلِح مع الله عز وجل ، وأمر كُلِّ الخلْق بِيَدِه ، وهذا هو التَّوْحيد ، وما تعَلَّمَت العبيد أفْضل من التَّوْحيد ، وهذا هو الدِّين كُلُّه ، اتِّصال بالخالق وإحْسانٌ إلى الخلْق صَحِّحْ علاقتك مع الله تعالى ولا تعْبأ، الكُلّ في خِدْمَتِك ؛ أعْداؤُك يخْدِمونك ، والأشْرار يُمنعون عنك ، أنت في حِفْظٍ إلهي ، والأخْيار يخْدِمونك ، لأنَّ الله رضِيَ عنك ، فأرْضى عنك الخلْق ، أما إنْ أرْضَيْتَ الناس بِسَخَطِ الله سَخِطَ الله عنك وأسْخط عنك الخلائِق
يتبع بإذن الله ..... مقتطفات من بعض مواضيع الأستاذ محمد راتب النابلسي